من الممكن أن يكون طبيب الأمراض النفسية والعقلية جزءا من الحل في سيرورة العلاج لدى المريض، كما يمكن أن يكون جزءا من المشكلة...

حقيقة.. انحصرت تجربتي بين اثنين من الأطباء، وغيرت العلاج ثلاث مرات بعد حصولي على التشخيص الصحيح..

الطبيب الأول، كان له الكثير من المرضى بحكم كونه الطبيب الوحيد في المدينة، الذي يختص بمعالجة الأمراض النفسية والعقلية..

ما إن يأتي وقت الجلسة، يسألني بكل برود "كيف حالكِ؟" فأجيب: أنا بخير الحمد لله..

ثم يقول: حسنا... كيف هو الدواء؟

فأرد: أتناول كذا صباحا وكذا مساء..

وهنا تبدأ عليه ملامح التوتر من الحشد المريض، الذي ينتظره في قاعة انتظار عيادته..

فيقول مباشرة ودون مقدمات: حسنا يمكنكِ أن تخففي مثبت المزاج إن شعرتِ بالثقل، وإن شعرت بالخِفة عودي للجرعة الأولى..

ثم يمنحني وصفة طبية تعبر عن حاله كطبيب غير كفؤ، وأخرج...

في المقابل... ولأنني كنت أعاني من الذهان وجنون العظمة لم أكن ارى نفسي مريضة، فتوقفت عن العلاج باستمرار، ولم التزم بالجرعات الموصوفة، لأن هذا الطبيب الذكي منحني حرية التصرف فيها بالفعل..

استمررت على هذا الحال تسع سنوات كاملة... رفقة انتكاسات كثيرة...

أما عن الطبيب الثاني فلجأت إليه مباشرة بعد أن أخبرني طبيبي الأول أنني مصابة بثنائي القطب الصنف الأول، فعلت ذلك لأنني شعرت بالخيانة بطريقة ما..

في أول جلسة مع الطبيب الثاني لاحظت الفرق، فبدل أن يسألني عن حالي قال: كيف تشعرين؟

وعندما أجيبه أنني بخير، يقول: ماذا تفعلين في يومكِ؟ وفي ماذا تفكرين؟ ما هي خططكِ؟

في كل الأحوال ومهما كانت إجابتي يحاول جاهدا أن يعلم كيف أنا فعلا..

كما أنه لم يسمح لي بالمساس في جرعات العلاج الطبي دون إذنه.. فالتزمت بالجرعات الموصوفة، وهكذا مرت خمس سنوات دون انتكاسة أو نوبة..

بكل صدق وبالنسبة لي، لا يشكل العلاج الطبي حلا للأفكار المجنونة والمعتقدات الزائفة، فقد تغير العلاج ثلاث مرات ولم يكن هو الحل المطلق.. لكنه يكتسي دورا بالغا لأنه يوقف النوبات...

النصيب الأكبر من العلاج لكيفية سير الجلسة مع الطبيب...

والنصيب الأعظم من العلاج لردة فعل المريض حول مرضه...

والنصيب الأهم من العلاج.. للدعم العائلي..

عشت مع الطبيب الأول الأعراض بحذافرها، دون وعي... دون إدراك.. ودون علم بمرضي...

أما الطبيب الثاني فنظرت إلى الأعراض من بعيد، حاولت التحكم بها قدر المستطاع، وطلبت المساعدة عند الحاجة...

يمكنني أن أقول أنني غدوت شخصا آخر.. شخصا أكثر اتزانا.. وأكثر استقرارا..

الطب العقلي والنفسي مهنة نبيلة جدا... وعندما تقع في الشخص الصحيح.. يكون الأثر حياة جديدة لمريض يعيش في الظلام...