في قلب غزة المنكوبة، حيث تتصاعد صرخات الألم ويتسارع نبض المأساة، كان هناك طبيب يقف بوجه عاصفة الألم، مهمته الحياة والموت في مشفى صغير لم يتعرض للدمار بعد.
تاركًا ابنه الصغير، الطفل ذو الستة أعوام، بين أيدي جدته بقلق يمزج بين الراحة والهم. كان على الطبيب تمييز بين حالات الطوارئ وتلك التي يمكن التأخير في علاجها، وسط تدفق الضحايا إلى المشفى الذي بات يكاد ينهار تحت وطأة الأعداد الهائلة.
كانت أمه بين تلك الحالات الحرجة، لكن القدر لم يكن صديقًا. فشل الطبيب في إنقاذها، رحلت بين يديه كموجة تتلاطم على شاطئ اليأس. ثم بحث عن ابنه، الذي كانت أمه تحنو عليه بعناية فائقة. وجده مصابًا بشظية غير قاتلة، رعاه وعالجه بأقصى جهده، دخله المشفى كي ينال العناية اللازمة.
وهكذا، روى الطبيب قصته أمام الصحافي، وكأنما كتبها الألم بحبر دامي. لم يتجمل بحديثه، بل ظل ثابتًا وشجاعًا أمام العدسات، حتى اللحظة الأخيرة. دمعة سجينة تسللت من عينه كجوهرة ثمينة تسقط، ولكنه احتفظ بكبريائه أمام الصحفي، رافضًا أن يراه القاتل الصدفة وهو يتألم.
وهكذا، بكل شجاعة وإصرار، عاد الطبيب إلى عمله. عاد ليمارس واجبه رغم الألم الذي يخيم في جوانب قلبه. فقد كان يعلم أن رسالته لا تنتهي بالدموع، بل بتلك الأيدي التي يمكن أن يُمدَّها للمزيد من الحياة في وسط هذا البحر الهائج من الألم والفقدان.
بقلم الاعلامي زينو ياسر محاميد.
انستاغرام :
فيسبوك :
تيلغرام :
تويتر :
التعليقات