الأمان الحقيقي وثمرة الإيمان: تأمل في معاني آيتي النمل والأنعام

الأمان هو أعظم ما يسعى إليه الإنسان في دنياه وأخراه، فهو طمأنينة القلب وسكينة الروح، وهو وعد الله لعباده المؤمنين الذين استقاموا على طريق الحق. في هذا السياق، تأتي هاتان الآيتان الكريمتان لتبين من هم أهل الأمان الحقيقي يوم القيامة، ومن ينالون الطمأنينة في الدنيا والآخرة.

الحسنة وأثرها في الأمن من الفزع

يقول الله تعالى:

﴿مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَیۡرࣱ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعࣲ یَوۡمَىِٕذٍ ءَامِنُونَ﴾

(النمل: 89)

هذه الآية تفتح باب الرجاء للمؤمنين، فهي تبشر بأن من جاء يوم القيامة بصالح الأعمال، فله خير منها، أي أن الجزاء عند الله أعظم بكثير من الفعل ذاته، لأن الله يجازي بالحسنات أضعافًا مضاعفة، ويمنّ على عباده بكرمه ورحمته.

لكن ليس الجزاء فقط هو العطاء الأعظم، بل هناك نعمة أخرى هي الأمن من الفزع يوم القيامة، وهو أعظم ما يطمح إليه المؤمن، حين يكون الناس في هول شديد، وتطيش العقول من هول الحساب، فيبقى المؤمنون آمنين، قلوبهم مطمئنة، لأنهم في معية الله ورحمته.

الإيمان الخالص والأمان الكامل

ويكمل الله هذا المعنى في سورة الأنعام بقوله:

﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یَلۡبِسُوۤا۟ إِیمَـٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾

(الأنعام: 82)

هذه الآية تقدم شرطًا مهمًا للأمان الكامل، وهو أن يكون الإيمان صافيًا، لم يختلط بظلم، أي بشرك أو معاصٍ تمس جوهر التوحيد والإخلاص لله. فالذين حققوا هذا الشرط لهم الأمن التام في الدنيا والآخرة، فهم أهل الطمأنينة والهداية.

وقد جاء في الحديث الصحيح أن الصحابة لما سمعوا هذه الآية، شق عليهم الأمر، وقالوا: "يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟" فقال النبي ﷺ: "ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ﴾" (رواه البخاري ومسلم).

بين الأمنين: في الدنيا والآخرة

هاتان الآيتان ترسمان طريق الأمن الحقيقي:

1. الأمن يوم القيامة لمن جاء بالحسنة، لأن الحسنات تزيل السيئات، وتوجب رضا الله.

2. الأمن في الدنيا والآخرة لمن حافظ على صفاء إيمانه ولم يلبسه بظلم، أي لم يخلطه بشرك أو نفاق أو معاصٍ عظيمة تحجب عن العبد الطمأنينة.

وهذا يبين أن الأمان ليس مجرد شعور زائل، بل هو ثمرة الإيمان والعمل الصالح، فكلما كان القلب أنقى وأعمال الإنسان أكثر صدقًا، كان أمانه أعظم في الدنيا، وطمأنينته أشد يوم القيامة.

خاتمة: كيف ننال هذا الأمان؟

بالإيمان الخالص: تجديد الإيمان وتصفيته من كل ما يشوبه من رياء أو نفاق أو شكوك.

بالعمل الصالح: الإكثار من الحسنات، لأن الله يضاعفها ويجعل بها الأمن يوم الفزع.

بالابتعاد عن الظلم: سواء كان ظلم النفس بالمعاصي، أو ظلم العباد بالتعدي على حقوقهم.

بالاعتماد على الله: لأن الطمأنينة الحقيقية تأتي من التوكل عليه، والثقة بوعده.

فالطريق إلى الأمان الحقيقي يبدأ من القلب، حين يمتلئ بالإيمان، ومن العمل، حين يكون خالصًا لله. فمن أراد أن يكون ممن "هم من فزع يومئذ آمنون"، فليجعل الإيمان والعمل الصالح راحلة تقوده إلى ذلك اليوم، وليحفظ قلبه من الشرك والظلم، فيكون من أهل "لهم الأمن وهم مهتدون".