الوجود جوهر الحقيقة الكلية ومظهرها، وتجربة المتواجد في العالم هي المجرى الذي يحيا فيه وجودَه ويدركه في تجليات تختلف شدة وضعفا.

لا شيء في الوجود يمكن أن يشبه الوجود إلا النور، فهو أصل الظهور والتجلي ، وهو ظاهر بظهورها، باطن حين تُدرَك الأشياء من حيث حيثيتُها، ولكن من حيث هو، فهو واحد، أصلُ تمييز الأشياء وتعيينها واحتوائها والاستحواذ عليها بالتسميات.

والنور إلى ذلك في نفسه غيرُ مدرَكةٍ حقيقتُه وإن تبدّت لنا هيئته.

ولذلك، فالمتواجد لا سبيل إلى إدراكه النور إلا بنور من مثله وهما نوران: نور العقل ونور القلب. فنور العقل نور حاصر ومحدودةٌ قوّتُه، وشدة نوريته متناهية، ولكن النور من حيث ما هو سابح في لا تناهيه، إذ هو في ذاته كامل.

ولكنه حين يتخارج تلتقطه الأنوار الحافة فيبهرها، وما يتبقى منه من أثر فهو ما يدركه العقل، تماما مثلما لا يرى الناس في الدنيا نجما إلا بعد زمنية تكون فيها حقيقة النور قد غابت مع أنها لا تزال حاضرة في الوجود، وهو ذا وضع المتواجد، يدرك اللحن بعد وقوعه، وهو سعيد إن أدركه بأي نوع إدراك لأن الغفلة عنه في عوالم الفجوات المُعْتِمة فقر وحرمان.