بعد عمرٍ معيّن، نكون فيه قد مررنا بالكثير من التجارب، وتعاملنا مع شخصيات من مختلف الأنماط والأنواع، وخُضنا حروبًا عديدة لنصل إلى ما نحن عليه اليوم، وتحصّلنا على مناصب أكاديمية ووظيفية مختلفة، خُضنا معترك الحياة حتى أصبحنا "نحن" بالشكل والنفسية التي نحن عليها اليوم، تستوقفنا بعض الأسئلة التي قد تبدو ساذجة في ظاهرها، لكن لو تمعّنا قليلًا بها قد نجهل إجابتها أو نأخذ وقتًا في إيجاب الجواب المناسب: "هل نعرف ذاتنا حق المعرفة؟ هل نعرف ماذا نُريد وما نُحب؟ هل نفهم مشاعرنا؟"

في البداية، ونظرًا للظروف التي مررنا بها والتجارب التي خُضناها وصقلت شخصياتنا، نُواجه مثل هذه التساؤلات ونحن نظن أننا في الجانب الآمن! فاللياقة النفسية التي اكتسبناها وحقيقة أننا وصلنا إلى عمر "النضج" الكافي من وجهة نظرنا تجعلنا نرى أننا أشخاص "متّزنين" ونحظى بعلاقات صريحة مع أنفسنا لنفهم مشاعرنا دون أي إرباك. لكن هل هذا حقيقي فعلًا؟

في واقع الأمر، نمر بين الحين والآخر في اختبارات تكشف لنا أحيانًا أننا نجهل حقيقتنا - أو شيئًا منها على الأقل! - ويتبيّن لنا كم أنّ الصورة التي رسمناها لأنفسنا غير كاملة!

سواءً بالعلاقات التي نختارها والتي قد يتكشّف لنا فيما بعد أنها غير مناسبة أو "مستنزفة" لنا، أو من اختيار التخصص العلمي أو المهني الذي يبدو لنا فيما بعد أنه "أنهك أبداننا ونفسياتنا" ولم يُلائمنا على الإطلاق! أو حتى تلك المشاعر التي نُفجّرها في موقفٍ ما تعرّضنا خلاله للاستفزاز ليبدو لنا هشاشة دواخلنا والصورة المغايرة لما كنّا نظن أننا أشخاص متّزنين! فقد انهارت تلك الصورة في موقف كشف عن كمٍ من المشاعر السلبية التي لم نعهدها من قبل على أنفسنا!

سوزان ديفيد، عالمة النفس والكاتبة في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، تقول في ذلك:

إن فهم مشاعرنا بشكلٍ واضح يمكننا من التعامل مع أنفسنا، وما يحيطنا بشكل أكثر وعيًا ووضوحًا!

هذا الأمر يدفعني إلى التساؤل: كيف نكتشف ذواتنا الحقيقية؟ ما نُحب وما نكره، تلك الأشياء التي ربما دفناها دون أن نشعر في اللاوعي، كيف نستخلصها ونتعايش معها قبل أن "تنفجر" على حين غرّة؟

وهل وصلتَ عزيزي/تي القارئ إلى مرحلة "الانفتاح على النفس" والإلمام بكل جوانب ذاتك؟