نفدت المياه، فجفّ حلقي، وبعد عدّة شوارع امتلأت تجاويف وجهي بالتراب، فكتبت: غالبًا ما يكون التجمّع أكثر إثارة من الوحدة، والوجود أقوى من العدم؛ فالسكون مملّ، قاسٍ، ناتج عن جرحٍ عميق أو عن إدراكٍ عظيم. سؤالٌ يكرّره عقلي دائمًا، ويضعه اللاوعي تحت سجادة التفكير: لماذا يكرهني الجميع؟ الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، المعلّمون والطلبة.. حتى القطط لا تأنس بي، وتهرب منّي حال رؤيتي! أإلى هذا الحدّ أنا.....؟ لا أعرف ماذا أقول عن نفسي، وبأيّ تعبير أصفها؟ هل تعرف ذلك الإحساس حين
وبعدين؟
لما كنتُ طفلاً في المرحلة الابتدائية، كنت أحلم بأن أصبح ممثلاً، لكن ذلك الحلم تلاشى بسهولة. ثم في المرحلة الإعدادية تاقت نفسي إلى أن أكون مهندساً، فسعيت إلى ذلك بطرق شتى، غير أنّ الحلم انطفأ هو الآخر، لكنه ترك في داخلي وجعاً أكبر، إذ كنت قد علّقت عليه آمالاً واسعة. وبعد أن دخلتُ متاهة الثانوية العامة، ومع بدايات القراءة وتقلّبات المراهقة، لم أعد أرغب في شيء على الإطلاق. وقبيل دخولي الجامعة بدأت بكتابة مقالات صغيرة، ثم خواطر ذاتية ما لبثت
ليه كده؟
منذ مدة طويلة لم تمسس يداي القلم، أشعر وكأنه أصبح غريباً عني، لا أعرفه، وهو لا يريدني، أظنه لا يمنح نفسه إلا للناجحين، وأنا لم أنجح! أقسم أنني حاولت في أشياء كثيرة وبطرق عديدة لكني لم أُوفق، أقصد أنني فشلت، لن أُجمل الكلام، لقد فشلت في العلاقات.. فشلت في الدراسة.. فشلت في الشغل.. فشلت في تحقيق الذات.. فشلت في القيادة، وفشلت في الخدمة أيضاً. في الماضي، كنت أنظر بإستياء إلى الرجل الذي يُخرج ما به من غضب على زوجته مثلاً
في الشارع
أتجول في نفس المدينة لساعاتٍ وساعات، بلا رفيق، أنظر إلى هذا وإلى تلك، أقف مع أحدهم لنتبادل بعض النفاق الممزوج بابتساماتٍ غير حية. فتاةٌ تصوّر فيديوهات، فتيانٌ يدخنون، رجالٌ يبحثون عن مصادر دخل، نساءٌ يتحدثن عن التسوق، وأطفالٌ يصرخون بجنون. كل هذا أراه أثناء سيري في الشوارع. أراقب السيارات أحيانًا، فأجدها نفسها، نفس الأشكال ونفس الأنواع. لا جديد تحت الشمس اليوم، ومنذ متى كان هناك تغيير؟ يتجمد الوجود من حولي، وتتثاقل المشاعر بداخلي. في دقائق تمتد أحيانًا لأيام. لقد جلست
تباً للحياة
بعد أن رحب بي، سألني باهتمام مفتعل: أليس لديك أي موهبة؟ فأجبته بابتسامة حرج: لا للأسف. أردف قائلاً: تمثيل، غناء، رسم، أي شيء؟ زاد حرجي خصوصًا مع تدخل أحد الجالسين في الحوار، لكن إجابتي لم تتغير . سألني مرة أخرى: لِما؟ تعجبت من السؤال، لكني فهمت أنه يتعمد وضعي في هذا المكان وفي هذه الحالة، حاولت لمام شتات نفسي ثم أجبته محاولاً التماسك ومُدعياً للهدوء: اممم لا أعرف! وبعدها تمتمت بكلمات غير مفهومة وخرجت من مكتبهم. إنه ليس أول موقف
سراب الانترنت
اقرأ منشورات الفيسبوك وأتصفح التغريدات على تويتر.. أشاهد الريلز في إنستجرام وأتابع الفيديوهات القصيرة على التيك توك.. جميعم متشابهون.. نفس التفاهات.. يتكرر الكلام.. وتُعاد نشر المقاطع.. أرى الزيف والبغض.. تفوح رائحة الشهوة.. تتزايد أعداد الأطفال.. تتكون الأفكار الغبية.. كيف نسأل عن المستقبل ونحن ندمره؟ كيف نتطلع للحياة ونحن نشوهها؟
نهاية العام
انتهى عام آخر، وانتهت معه قصص عدة، واستُنزفت فيه مشاعر لا حدود لها، ولم أنجز أي شيء ذا قيمة تقريباً طوال السنة! في هذا الصباح، وجدت عندي بعض الإشعارات الهامة، منها مثلاً: - تنبيه! تم تآكل جزء من عقلك الواعي، وذلك قد يضر ببقية جسمك. - تنبيه! أوشكت المشاعر الجميلة على النفاد، يجب إعادة شحن قلبك. - تنبيه! عثرنا على بقع سوداء مظلمة غير محددة الشكل، من الممكن أن تضر بحياتك. - تنبيه! هناك ضعف في الهارد وير الخاص بك،
خاطرة شخصية
وقف الشاب أمام ذاته متسائلًا عمّا أنجزه في السنوات الخالية، فلم يجد جوابًا. هل تعلّم جديدًا؟ هل أتمّ قراءة مكتبته الإلكترونية؟ هل ادّخر مالًا وافرًا؟ هل ارتحل إلى أماكن نائية؟ هل أتقن لغاتٍ ذات نفع؟ هل كتب باكورة أعماله؟ هل أسدى معروفًا لأحدٍ كي يظلّ يذكره ما بقي من عمره؟ وكان الجواب على كل تلك الأسئلة المؤرقة: لا. لقد مرّ به العمر، ولم يمرّ هو به. إنه عاش أيّامًا في حياته، ولم يعش حياةً في أيّامه كما كان يتمنى في
حادثة
الفتى يترنّح في منتصف الطريق. سيارةٌ فارهة تقترب منه بجنون، لكنّه لا يراها… بل لا يكاد يرى شيئًا أصلًا. لوّح بيده في الفراغ كمن يتعلّق بالعدم، ثمّ سقط على ركبته اليسرى، والسيارة توقّفت في اللحظة الأخيرة. تدارك الموقف قبل أن يجتمع حوله الناس، فانتشل نفسه بصعوبة، ونهض معتذرًا، مبتعدًا بخطى متعثّرة وسريعة. رأى الناس التراب على سرواله، ورأوا الجُرح في رأسه، وربّما لمحوا الألم في عينيه… لكنّ أحدًا لم يُبصر تلك الدمعة التي انزلقت بصمت، ولا الانكسار العميق الذي كان
هل شعرت يوماً بأنك طيف تائه؟
لم يحدث شيء سوى أن قلبي تفتت، لكن الأيام ستُصلح ذلك قريباً... لم يحدث شيء سوى أن سرى السم في شرايين قلبي كما تسري الحية بين الأحراش، إنه ليس كسم العالم الذي نعيش فيه وبه، بل أكثر ذاتية، واشتعالا... تخيل نفسك تقف أسفل ركام متداخل من المتاعب، جاحظ الأعين، تمد يديك في الفراغ كمحاولة يائسة منك للدفاع، البعض ينظرون لك بلا شفقة ولا عطف، فقط يراقبون ما سيحدث، وهناك أيضاً مَن يتهامسون ضحكاً فيما بينهم، أما الغالبية فلا يكترثون بك
عن الوحدة
وحدي، أرتاد المطاعم والكافيهات، وحدي، أذهب للجامعة وأعود، وحدي، أجلس في غرفتي الباردة، وحدي أكل وأشرب، وحدي، أدرس واكتب خواطري لذاتي بأناي، عرفت أناس كُثر، مكاتباً ومخاطباً، وفي أغلب الأحيان تكون الهوة بيننا كبيرة، لذا لم أنتمى لهم، اللهم إلا ثلاثة أو أربعة فقط هم مَن شعرت معهم حقاً بأنني على راحتي وكأنهم شاطروني الرحلة، وهم أيضاً تركوني وتركتهم لا لشيء، فقط لإنشغالهم بأمور الحياة الدنيا، سأقابل غيرهم ولن أنساهم فهم نادرون مثلي، يقال أن الجواهر تتلاقى، إنهم حقاً جواهر
اللغة
الطبقة الأرستقراطية في مصر، أو (الناس المبسوطين) مثلما يقول المصريين، يستخدمون اللغة الإنجليزية بكثرة في إستبدال واضح للعربية، فالأطفال في المدارس يدرسون بها وقوائم المطاعم مكتوبة بها، وأسماء المحلات التجارية أيضاً. أسماء الملابس والأطعمة والأماكن وهلم جرا ... كل هذا يكون بلغة الفرنجة عند الطبقة الغنية مادياً وثقافياً. وبين مؤيد ومعارض نحاول نحن كباحثين إستقراء المشهد من أعلى، متجنبين الإنحيازات التأكيدية والمغالطات المنطقية والإنتماءات الأيديولوجية. نرى أن المؤيدين هم أنفسهم المستخدمين لها أو الذين ولدوا في بيئة، وربما المستفيدين من
نصف عبثي
مرحباً بك يا عزيزي مرةً أخرى بعد طول غياب. هل لاحظت غيابي أم لا؟ لا أظن ذلك، لأنك تعيش حياة في أيامك ولست مثلي، فأنا لم يتغير فيّ شيئاً منذ أخر لقاء. أتذكره؟ أم أنك نسيته أيضاً! لك الحق في ذلك، فمن أنا حتى تتذكر حديثي أو تشتاق لكلماتي.. هكذا نحن البشر يا أخي الحبيب، لا نرافق أحدهم إلا للمنفعة فالحياة أصبحت سريعة والبشر كُثر، فما الذي يجعلني أتابعك أنت وأترك الآخر الذي ينشر ميمز أو عبارات حب قصيرة تجذب
من الخارج إلى الداخل
تتدفق الكلمات على الورق، وتفيض الأفكار داخل رأسي، وتنبض المشاعر الدفينة من جديد.. كل شيء يأتي دفعة واحدة وكأن العالم بأسره يتآمر عليّ.. جميعهم يُظهرون لي المشكلات والمعوقات والأحزان وكأنني سلة مهملات الدنيا.
نقاش شعوري
ـ مساء الخير، يا أنا. أهلًا. ـ هل أنت بخير؟ لا أعلم يقينًا. ـ لِمَ ترمش بعينيك كثيرًا؟ لا شيء، فقط كي أحبس دموع العذاب بداخلي. أشعر بأن هناك شيئًا صلبًا داخل حلقي يصعب عليَّ الحديث، وآخر داخل صدري يضيّق عليَّ التنفس، والأخير داخل قلبي يحاول منعه من ضخ الدماء لباقي جسدي النحيل. ـ أتحبها إلى هذه الدرجة؟ لم أذق للمشاعر طعمًا قبل معرفتي بها.. إنني أحبها أكثر من نفسي. - أكمل حديثك... كنتُ الجاني منذ زمن مضى، وأصبحتُ المجني
العشرينات
ماذا يعني عقد العشرينيات من حياة الشاب هنا؟ إنه مقبرة الأحلام ومدفن الطموحات، إنه العمر الذي ستعرف فيه حقاً أن كل ما تمنيت إنجازه لن يتحقق بسبب ضعف الأحوال وسوء الأموال وأن كل ما تستطيع عمله هو التفوه بالأقوال!
لماذا يُصيب الزهايمر العقل وليس القلب؟
ليت داء الزهايمر يُصيب قلبي المضمور بين ضلوعي بدلاً من عقلي الواعي.. ليته يأكل شعوري بدلاً من أفكاري.. ليته يدمر كل ما هو مُتعالي بدلاً من ذكرياتي.. لا أريد المزيد من الوقت كي أوضح علة أفعالي.. لا أريد أحكاماً ولا تشجيعاً.. لا أريد عاماً جديداً كي ابدأ صفحة بيضاء.. بل أريد سنة مستعملة.. قديمة.. مليئة بالحيوية والنسيان.
عن الجنس
ما زلت أذكر رعشات المرة الأولى... أقصد، المرّات الأولى. كان شعورًا رهيبًا بالنسبة لي آنذاك، وكأنني ولجت إلى عالم أزرق موازٍ لكوكبنا الأزرق. لم تسعفني لغتي الأجنبية في فهم معظم المصطلحات، فازدادت رعشتي حتى امتدت إلى كامل جسدي. كنت أُبصرُ خائفًا، ولا أعرف السبب. اجتاحتني رغبة غامضة، وبدأ المحتوى أمامي. لم أسأل نفسي حينها: "هل هذا حقيقي؟" بل قلت: "متى سأفعل هذا؟" كنت في طور الطفولة حينئذ، ولم أُعمِّق نظرتي للأمر، لكن المحتوى لم يتغير، ولم ينتهِ... ما هذا كله؟
موقف عابر
جاء يركن دراجته الهوائية على الحائط الذي أجلس بجواره، ثم نظر إليّ بنصف عين وسألني بلا اهتمام: – قاعد لوحدك ليه كده؟ نظرت إليه متأملاً، بدا عليه الوقار والشيب، ثم رددت عليه سريعًا، بلا تفكير لكن باهتمام بالغ: – عادي. وضع دراجته واطمأن عليها، ثم حدّق في الجهة المقابلة وسألني مرة أخرى، وكأن جوابي لم يكن كافيًا: – فيه حد مزعلك؟ وضعت يدي على قدمي، وأغمضت عيني للحظة ثم فتحتهما، قبل أن أرد عليه بصوت مرتجف، وكأنني متهم في محكمة:
أمام المرآة
أنظر له في المرآة.. يبدو غريباً مُغترباً.. ومع ذلك أجد نظراته حادة غير زائغة.. النظر إليه لمدة طويلة يكاد يفتك بعقلي.. أراه يقف صامداً، لكنه حزين.. أظنه يود قول شيئاً ما، لكنه تراجع، وكأن الكلمات وقفت في حلقه مثلما توقف قطار الحياة في عمره.. أغمض جفنيه وفتحهما بسرعة، كالسرعة التي يتجاوز بها آلامه، ليتمكن من تحمل المزيد.. يرتدي ملابس بلون تلك المادة داخل جمجمته.. يحرك يديه ببطء مثل سحاب ليالي ديسمبر.. وتضيق حدقة عينه، مثلما ضاقت به الدنيا وجاء هنا
عشرة دقائق!
لقد انتهيت! لكن باقي عشرة دقائق على الخروج الترقب يملئ الغرفة تهتز قدماي بلا توقف أنظر في الساعة مُترجياً عقاربها في الإسراع يتحرك بصري في جميع الإتجاهات بلا هدف أرغب في الخروج من هنا بأسرع وقت سئمت الإنتظار ألقيت نظرة على الباب وممر الخروج ثم وجهته للساعة مرة أخرى أوقفت قدماي عن الحركة اتصبب عرقاً أغلق جفوني بإرهاق أشعر بثقل الهواء في المكان وضيق تنفس أستنشق كمية كبيرة من الأكسجين داخل صدري وأخرجه بهدوء لتهدئة نفسي قليلاً مر خمسة دقائق
الرَّجُلُ الَّذِي تُرافِقُه الفَلسَفةُ لا يَمُوتُ أبَدًا
لطالما طُلب مني أن ترشيح أفضل الكتب للقراءة الأولية في الفلسفة تحديداً لغير المتخصصين.. واليوم سأذكر لكم قائمة بأهم الكتب المقترح قراءتها إذا كنت مبتدئ أو تريد المطالعة. يجب الإشارة إلى أنه تم مراعاة توافر جميع الكتب على شبكة الإنترنت حتى يتمكن مَن لا يستطيع شراء الكتب الورقية من القراءة.. ويجب التنويه بأن الكتب التى بالقائمة هي من تفضيلي الشخصي وغير مُرتبة بحسب الأهمية أو تاريخ النشر او أي شيء آخر... 1. المدخل إلى الفلسفة - أزفلد كولبه 2. عرض
لماذا تبكي؟
أتبكي على فقد أم حرمان؟ أتبكي شفقة أم حزن؟ لا معنى لبكائك هنا، لأن ذلك لن يمنع الخراب، ولن يُقلل من بؤسك.. العالم لا يتآمر عليك ولا أنت شخص سيء لهذه الدرجة، إنه القدر! هو الذي جعلك تكون هنا وفي هذا الزمن تحديداً، وبين هؤلاء الأشخاص الذين هم السبب الرئيس في بكائك. تباً للحظة الوعي، تلك التى تُشعرك وكأنك في قمة إيفرست من هول إحتواء الأفكار، ومن ثم تتذكر أنك تجلس على أرضية خشنة باردة، وتتوسد ما هو أكثر غلظة..
وحدي، في المطعم
خرجتُ من الامتحان وكأنني كنت في قاعة تعذيب من العصور الوسطى. وجدتُ نفسي أزحف إلى مطعمي المفضل، ثم طلبتُ شطيرة جبن كبيرة، وجلستُ أمام جهاز التكييف أتنفس كأنني خرجتُ للتو من فرن. لم يكن بحوزتي هاتف، ولا أوراق أدوّن فيها خواطري العميقة التي لا يسأل عنها أحد… فقط شطيرة جبن وأزمة هوية. أثناء تناول الغداء اللذيذ، بدأتُ أفتّش بين الوجوه عن شيءٍ ما… ربما الألفة، ربما السلام. لا أعرف حقًا. كانت المقاعد الخشبية مريحة، والأسطح نظيفة، والعامل يرش معطّر جوٍّ
صباح الخير
يقول المثاليون إنَّ الموضوع لا قيمة (وجود) له بدون الذات، وعلى نفس المنوال وجدتُ أنَّ الكلمات، والعبارات، والتحيات، وحتى السُّباب، لا قيمة لها إلا من خلال القائل؛ لأنَّ قيمة الكلمات والمواقف تنبع من قائليها وسياقهم، لا من ذاتها. مثلًا، عندما أفتح تطبيق المحادثات وأجد رسالة من مجهول يقول أو تقول فيها: "بحبك"، لن يكون هناك صدى بداخلي بعد وقوع عيني عليها، لأنها ببساطة من مجهول. أما إذا وجدتُ نفس الكلمة، لكنها مُرسلة من تلك الفتاة التي أحادثها بلطف منذ شهرين،