وقف الشاب أمام ذاته متسائلًا عمّا أنجزه في السنوات الخالية، فلم يجد جوابًا. هل تعلّم جديدًا؟ هل أتمّ قراءة مكتبته الإلكترونية؟ هل ادّخر مالًا وافرًا؟ هل ارتحل إلى أماكن نائية؟ هل أتقن لغاتٍ ذات نفع؟ هل كتب باكورة أعماله؟ هل أسدى معروفًا لأحدٍ كي يظلّ يذكره ما بقي من عمره؟

وكان الجواب على كل تلك الأسئلة المؤرقة: لا.

لقد مرّ به العمر، ولم يمرّ هو به. إنه عاش أيّامًا في حياته، ولم يعش حياةً في أيّامه كما كان يتمنى في أعياد ميلاده.

فيمَ كان؟ وإلامَ صار؟ لا شيء.

وبعد برهةٍ من تفكيرٍ جبريٍّ مُفرِط، عاد يتأمل ذاته محاولًا التعرّف عليها، فوجدها تئن بعدما كانت تحلم، وتصرخ بعدما كانت تضحك، وتنزف بعدما كانت ترقص، وترتعد بعدما كانت شامخة. فسألها: ما الذي أوقعكِ في حربٍ معهم؟

فأجابته: القدر محتوم، والصمود واجب.

قال متعجبًا: لكن الطرق كثيرة، والمعرفة لديكِ، والأحداث تتكرر!

فردّت عليه بانكسار: وجود الخيارات لا يعني حريّة الاختيار، والمعرفة قاصرة، أما الحوادث، فليست في ذاتها جللًا؛ المهمّ هو منظورك لها، ومدى تأثرك بها.

تشوّش صفاء ذهنه فجأة إثرَ ضوضاء ماديّة مجهولة المصدر، فعرض الوعي على شاشة العقل جزءًا من شريط الآلام في ذاكرة الجسد المنهك. تقلّصت شفتاه، وارتعشت يداه، ثم هوَت النفس مغشيًا عليها من واقع الحال وخشية المآل.