روبوت الدردشة..
شرع العالمان كاسي جرين "Casey Greene" وميلتون بيفيدوري Milton Pividori'" المختَصَّان في مجال المعلوماتية الطبية الحيوية في تجربة غير عادية، حيث طلبوا المساعدة من روبوت رقمي لتنقيح وتحسين ثلاثة من أوراقهم البحثية.
قام الروبوت الذي تمّ الاعتماد عليه بِسبر أقسام الوثائق بثوانٍ، حيث استغرقت كل مخطوطة حوالي خمس دقائق. وهو رقم قياسي بالنسبة لتنقيح مخطوطات البحث العلمي. اكتشف روبوت المساعدة أيضاً في إحدى مخطوطات علم الأحياء في العينة محلّ الدراسة خطأً في الإشارة إلى معادلة.
بالرغم من صعوبة تنقيح الوثائق وتدقيقها ومراجعتها في العادة، كان الروبوت يجريها بسلاسة، وفي النتيجة النهائية لعمل الروبوت تمّت قراءة المخطوطات بسهولة وأيضاً بتكلفة منخفضة، لم تتجاوز الخمسين سنتاً للمستند الواحد.
في تقرير لاحق صرّح العالمان جرين وبيفيدوري أن المساعد الرقمي ما هو إلّا خوارزمية ذكاء اصطناعي Artificial Intelligence""، تسمى GPT-3 "Generative pre-trained transformer"، تمّ إصدارها لأول مرة في عام 2020. وهي واحدة من روبوتات الدردشة التي حظيت باهتمام كبير عند إطلاقها للمرة الأولى.
تستطيع التقنية الحديثة أن تُنتج نصّاً بطلاقة وبشكل مُقنع، سواء طُلب منها أن تكتب النثر أو الشعر أو الكود code"" الرقمي للكمبيوتر. أو كما حدث في حالة العالِمين في المثال السابق ذكره: تحرير أوراق بحثية وتدقيقها.
روبوت الدردشة شات جي بي تي ChatGPT
"شات جي بي تي" هو التطور الأحدث لثلاثة أجيال سابقة من هذه البرامج، ويتم العمل حالياً على جيل جديد هو "جي بي تي 4" والذي يُتوقّع بأن يكون أكثر دقة من سالفه.
عموماً، يرتكز البرنامج على ما يسمى "الذكاء الاصطناعي التوليدي" (Generative AI)، ويتميّز بالاستجابة الفعلية لأي طلب من قبل المستخدمين بسرعة ووضوح مذهلين.
وفي الوقت الذي تُجيب روبوتات المحادثة على أسئلة رئيسة أو كلمات مفتاحية محددة، يمكن لتقنية "تشات جي بي تي" الرد على الأسئلة المعقّدة وتقديم إجابات شاملة ووافية.
اشتهرت النسخة من GPT-3 والتي نشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر في العام 2022 بمجّانيتها وهذا ما أكسبها جماهيرية واسعة بين المستخدمين بالإضافة إلى إمكانية الوصل إليها بسهولة ويسر.
صرّح بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت العالمية: «إن ظهور روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي" سيكون بنفس أهمية ظهور الإنترنت أو تطور أجهزة الحاسب الآلي الشخصية»، وهذه الأجهزة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للإجابة عن أسئلة المستخدم بطريقة إبداعية، وأيضاً كتابة مقالات عندما يطلب منها ذلك.
وأضاف جيتس: سيكون الجدال بشأن الذكاء الاصطناعي أكثر الموضوعات المتداولة في العام الحالي 2023، وبمجرد تجربة الروبوت الجديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على منصة تويتر، كشفت الإحصائيات أن مليون مستخدم جربوا الروبوت الجديد في غضون أسبوع واحد من إطلاقه، وتُجري الآن مايكروسوفت مناقشات لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في الشركة التي ابتكرت روبوت الذكاء الاصطناعي.
البداية
قامت منظمة "أوبن إيه آي" OpenAI"" وهي منظمة غير ربحية لأبحاث الذكاء الاصطناعي، يديرها سام أولتمان، تأسست في ديسمبر/كانون الاول 2015، بهدف تعزيز وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، بإطلاق برنامج يستطيع تحويل كلمات المستخدمين إلى صور وتصميمات فنية إبداعية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وقد دربت الشركة ذلك النموذج باستخدام كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر العامة، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، ومُوّلت الشركة من بعض أبرز المليارديرات وأشهرهم إيلون ماسك الذي وصف هذه التقنية "بالجيدة بشكل مخيف".
في الآونة الأخيرة انتشرت المئات من اللقطات لنقاشات مع روبوت المحادثات "شات جي بي تي" على منصة تويتر، وهو يتحدث في كل المواضيع تقريباً، وكثير من المستخدمين اندهشوا لِما وصلت إليه قدراته على النقاش وإجابته على الأسئلة والمقدرة على الكتابة، حتى إنه استطاع تأليف القصائد، وتأليف الأغاني، وإنشاء المقالات الدراسية، وتلخيص النصوص الطويلة، بالإضافة إلى حِسّ الفكاهة، وإلقاء النكات الذكية، ويقوم أيضاً بشكل تلقائي بالرد على الأسئلة، ويرصد الأخطاء، هذا إلى جانب التصدي للفرضيات غير الصحيحة، لدرجة أن البعض اعتبره كما لو كان مزيجاً من البرمجيات والشعوذة.
منافسة ومميزات
أظهر روبوت الدردشة مدى أهمية الذكاء الاصطناعي في الكثير من المجالات، مع قيامه باستخدام البيانات من ملايين المواقع الإلكترونية للإجابة عن الأسئلة في كافة الموضوعات، وقد وجد هذا التطبيق صدى شديد الانتشار، ونجح في جذب أكثر من مائة مليون مستخدم شهرياً.
تهافت الناس لاستخدام التقنية الجديدة والمتوفرة لأي شخص بمجرد وُلوجِه للإنترنت، الأمر الذي جعل بعض المحللين يعدّون هذا الروبوت من أقوى المنافسين لمحرك البحث العالمي غوغل، وربما يضع روبوت الدردشة "ChatGPT محرك البحث جوجلGoogle" في مأزق كبير.
الطلاقة لا تشترط بالضرورة الواقعية
يقول الباحث توم توميل وهو مهندس أبحاث في شركة انستا ديب InstaDeep، وهي شركة استشارات للبرمجيات مقرّها في لندن، إنه يستخدم التقنية الحديثة بشكل يومي للمساعدة في كتابة التعليمات البرمجية.
وأضاف توم: «إنه يشبه تقريباً موقع Stack Overflow وربما أفضل منه». في إشارة إلى الموقع الشهير حيث يجيب المبرمجون على استفسارات بعضهم البعض.
وفي ذات السياق، نفذت ألميرا ثونستروم وهي باحثة سويدية في جامعة غوتنبرغ، تجربة فريدة من نوعها عندما أعطت خوارزمية ذكاء صناعي توجيهاً بكتابة أطروحة أكاديمية من 500 كلمة عن الخوارزمية نفسها لتتفاجأ بالنتيجة!
ما إن بدأت الخوارزمية بتوليد النص المطلوب، تبيّن أنه يستوفي بشكل جيّد الشروط الأكاديمية لكتابة ورقة علمية قابلة للنشر في مجلة بحثية.
وصفت الباحثة السويدية ثونستروم، شعور "الرهبة" الذي اعتراها حين أكملت قراءة الورقة العلمية. وعلى غرابة هذه التجربة فهي أيضاً تطرح مجموعة إشكاليات عميقة على مستوى الملكية الفكرية والحقوق، وهو ما أشارت إليه الباحثة السويدية بالقول إنه "قد يتعين على النشر الأكاديمي استيعاب مستقبل المخطوطات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي"، وأضافت أنه من المهم اتباع نهج حذر عند التفكير في استخدام مثل هذه الأنظمة الرقمية من أجل التأليف العلمي أو إنتاج المعرفة.
وهذا أيضاً ما أكدته الشركة المصنعة بقولها إن النموذج "شات جي بي تي" يعاني من قصورات متعددة فهو "يكتب أحياناً إجابات تبدو معقولة ولكنها غير صحيحة أو لا معنى لها". هذا السلوك شائع في النماذج اللغوية الكبيرة ويسمى هلوسة الذكاء الاصطناعي.
من الصعب تخيل المدى الذي قد تصل إليه هذه التقنية. ومن المتعة استكشاف قدرات تلك الأداة المبتكرة في الوقت الحالي، ولكن من المهم كذلك التفكير في التأثيرات السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي، لا سيما على حياة الأفراد. ربما تكون الطريقة التي يتم بها استخدام البشر لهذه التقنية هي المحدّد الأساسي لمستقبل شات جي بي تي، وكما أعرب ايلون ماسك "لسنا بعيدين عن ذكاء اصطناعي قوي بشكل خطير".
استند المقال إلى المواقع الآتية