في كثير من الأحيان، يخلط الناس بين ثلاث اضطرابات نفسية، واحدٌ منها فقط يمكن اعتباره ”شائعاً“ بين عامة الناس، ألا وهو الاضطراب الوجداني ثنائيُّ القطب (و يُعرف أيضاً بالهوس الاكتئابي)، ويخلطون بينه وبين الفصام العقلي واضطراب تعدد الشخصيات (ويُعرف باسمه الطبي ”اضطراب انفصال الهُوية“). هذا الخلط نتج بشكل رئيسي من الاستعمال المتكرر لهذه المصطلحات من قِبل وسائل الإعلام الشعبية، واستعمال الناس الخاطئ لها للتحدث عن شخص يعاني من أي اضطراب نفسي. واقعياً، فإن هذه الاضطرابات ليس بينها سوى القليل من التشابه، وربما كان وجه الشبه الأساسي بينها أنها موصومةٌ بالعار من قِبل المجتمع.
- الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
يُعتبر هذا الاضطراب شائعاً نوعاً ما مقارنة بالاضطرابين الآخريْن. و هو اضطراب مفهومٌ بشكلٍ جيد، و يتم علاجه بيسر عن طريق مزيج من الأدوية والعلاج النفسي-السلوكي. يتميز هذا المرض بوجود نوباتٍ من الزهو (أو الهوس) وأخرى من الاكتئاب المرضي. وعادة ما تستمر هذه النوبات لأسابيع وأحياناً لأشهر عند معظم المصابين بهذا الاضطراب.
يكون الأشخاص المصابون بالزهو ذوي مستوياتٍ عالية من النشاط، وعادة ما يكون لديهم اعتقادات خاطئة لكمية العمل التي يستطيعون إنجازها في فترة زمنية قصيرة. أحياناً يقوم هؤلاء الأشخاص بالبدء في مشاريع متعددة في وقتٍ واحد، ولكنهم لا ينهون أياً منها. وبعض المصابين بالزهو يتكلمون بشكل سريع ويبدون للآخرين وكأنهم في تحركٍ دائم.
بعد انتهاء نوبة الزهو، عادة ما ”يغوص“ مريض اضطراب ثنائي القطب في مزاج اكتئابي، وهو يتميز بالشعور بالحزن والكسل واليأس وبوجود إحساسٍ بعدم جدوى عمل أي نشاط.
في بعض الأحيان، قد يكون من الصعب علاج هذا الاضطراب، وذلك لأن كثيراً من المرضى، وعلى الرغم من إلتزامهم بأخذ مضادات الاكتئاب لتخفيف أعراض النوبات الاكتئابية، فإنهم غالباً ما يتجنبون الأدوية التي تساعد على تخفيف أعراض نوبات الزهو. هذه الأدوية تعطي شعوراً للبعض بانعدام المشاعر، وبشعور وكأنهم كالأحياء الأموات، وهو شعور لا يفضّله معظم الناس. ولذلك، فإن كثيراً من المرضى يجدون صعوبة في الالتزام بالعلاج أثناء نوبات الزهو. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن كثيراً من المصابين بهذا الاضطراب يستطيعون العيش بشكل طبيعي في المجتمع، وبإمكانهم السيطرة بشكلٍ مقبول على التقلبات المزاجية.
- الفِصام العقلي (الشيزوفرينيا)
مرض الفصام العقلي أقل شيوعاً من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وعادة ما يُشخص عند الناس في أواخر سن المراهقة أو في العشرينات من العمر. يُشخص الرجال بالفصام العقلي أكثر من النساء، ويتميز هذا المرض بشكل رئيس بوجود الهلاوس والأوهام.
الهلاوس هي سماع أصواتٍ أو رؤية أشياء غير موجودة (وفي أحيان نادرة الشعور بأشياءٍ غير موجودة جسدياً أو شمّها أو حتى تذوقها)، أما الأوهام فهي اعتقادات خاطئة جازمة لدى المريض، لا تتفق مع خلفيته الثقافية والدينية والاجتماعية. ويستمر الأشخاص الذين لديهم أوهام بالاعتقاد بها، على الرغم من وجود أدلة على عدم صحتها. ويعود ذلك إلى أن هذه الأوهام—كالهلاوس—تتسم بعدم المنطقية. وبما أن الأوهام الفصامية ليست منطقية، فإن محاولة مناقشتها مع المريض باستعمال المنطق أمرٌ غير مُجدٍ وتضييعٌ للوقت.
يُعد علاج الفِصام صعب أيضاً، وذلك لأن مرضى الفِصام لا يستطيعون التعايش بشكلٍ جيد في المجتمع، ويواجهون صعوبة في الالتزام بالعلاج.
يتضمن هذا العلاج أدوية و علاجاً نفسياً وقد يتضمن برنامجاً يومياً للمتابعة في الحالات الأكثر شدة أو المقاومة للعلاج.
بسبب طبيعة أعراض هذا المرض فإن المصابين به يجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين، وفي القيام بالنشاطات اليومية الاعتيادية كالمحافظة على وظيفة معينة. كثير من مرضى الفِصام يتركون دواءهم (أحياناً قد يكون لذلك لأن، على سبيل المثال، هلاوس صوتية أخبرتهم بأن يقوموا بذلك) وينتهي بهم المطاف بالتشرد.
- اضطراب تعدد الشخصيات (اضطراب انفصال الهُوية)
كان يُعرف هذا المرض باسم اضطراب تعدد الشخصيات (ولا زال يُعرف كذلك في الأوساط الإعلامية) ولكنه يُعرف الآن باسمه الطبي اضطراب انفصال الهُوية.
يتميز هذا المرض باعتقاد المريض بوجود شخصيات أو هُويات متعددة، لكل منها طابع خاص. هذه الشخصيات يمكنها التحدث مع الشخص وبإمكانه الرد عليها. غالباً ما تنشأ هذه الشخصيات لمساعدة الشخص في التعامل مع جوانب مختلفة من حياتهم، وتتميز كل شخصية منها بصفات مميزة ومختلفة عن شخصية المريض الأساسية.
أحياناً قد يفقد المصابون بهذا المرض مسار الزمن أو يفقدون قدرتهم على تمييز أو تذكر ما حدث خلال فترات زمنية محددة خلال اليوم. يحدث هذا عندما تسيطر إحدى الشخصيات على المريض، وتمارس أنشطة لا تمارسها الشخصية الأساسية في العادة.
على سبيل المثال، قد يكون المريض غير قادر على أن يكون حازماً في موقفٍ ما، مع المدير مثلاً، فتأخذ الشخصية المسيطرة زمام الأمور لضمان قدرة الشخص على أن يكون حازماً في هذا الاجتماع المهم.
لا يُشخص اضطراب انفصال الهُوية إلا قليلاً في عامة الناس، وهو اضطراب غير مفهوم تماماً من قِبل المختصين والباحثين في مجال الصحة النفسية. عادة ما يتضمن العلاج أسلوب العلاج النفسي لمحاولة دمج الهويات (الشخصيات) في الشخصية الأساسية، وهذا قد يستغرق سنوات لإنجاحه.
مقارنة بين الاضطرابات الثلاثة المختلفة
يعيش مرضى الإضطراب الوجداني ثنائي القطب عادة حياة طبيعية، ويلتزمون بوظيفة ثابتة وعلاقات جيدة وعائلات مستقرة، وقد يكونون ناجحين جداً في حياتهم الوظيفية. المصابون بهذا الاضطراب لا يسمعون أصواتاً ليست موجودة وليس لديهم شخصيات متعددة. ويكون وضعهم مستقراً عندما يكونون ملتزمين ببرنامجهم العلاجي.
كثير من مرضى الفِصام يجدون صعوبة في التعايش ضمن المجتمع. كما أنهم، وبسبب طبيعة مرضهم، يواجهون صعوبة في الالتزام بالعلاج، وصعوبة أكبر في إنشاء علاقات مستقرة مع عائلاتهم وأصدقائهم وزملائهم في العمل والمحافظة عليها.
لسوء الحظ، فإن هذا المرض لا يزال من أكثر الاضطرابات النفسية الموصومة بالعار، ويكون الحصول على مساعدة حقيقية في كثير من المجتمعات صعباً، مما قد يؤدي إلى التشرد والتناسي من قِبل عائلات المرضى وباقي المجتمع.
عندما يحصل مريض الفِصام على دعم عائلي ومجتمعي قوي، فإنه بإمكانه أن يعيش حياة طبيعية منتجة، ويحصل على علاقات اجتماعية وأسرية جيدة ومستقرة. قد يكون مريض الفِصام مكتئباً أو يشعر بالزهو ولكن ذلك على الأغلب ناتج من المرض نفسه (فقد يكون مكتئباً لأنه مصابٌ بهذا المرض). وإذا كان المريض يسمع أصواتاً (مع العلم بأنه ليس جميع مرضى الفِصام يعانون من ذلك العرَض)، فإنهم يميّزون بأن هذه الأصوات ليست جزءاً من شخصيتهم.
يستطيع مرضى انفصال الهُوية (تعدد الشخصيات) عيش حياةٍ طبيعية وناجحة، وتكوين علاقات صحية وناجحة مع الآخرين. وبينما، ومثل مرضى الفِصام، يسمع هؤلاء المرضى أصواتاً داخل رأسهم، فإنهم يميّزون بأن هذه الأصوات تشكّل جزءاً من شخصياتهم الأخرى (وليست أصواتاً يسمعونها من خارج أنفسهم، كما هو الحال في الفِصام).
هذه الشخصيات قد تساعد المرضى في أن يعيشوا حياتهم بأقل قدرٍ من الإزعاج. ولكن، في بعض الحالات، يواجه المرضى بعض المصاعب؛ لأن تلك الشخصيات قد تسيطر تماماً على جوانب من حياتهم، جاعلة من الصعب بمكان أن يتذكر المريض ما فعل خلال ذلك اليوم مما قد يتسبب بالإحباط لدى المريض. قد يصبح مريض اضطراب انفصال الهُوية مكتئباً، إلا أن ذلك على الأغلب ناجِم من أعراض هذا المرض (مثلاً، قد يكون المريض مكتئباً لأنه يحاول التأقلم مع مرضه).
يخلط الناس كثيراً بين المرضيْن السابقين (الفِصام و انفصال الهُوية). فعلى الرغم من كون المرضيْن مزمنين وخطيرين، إلا أن أوجه الاختلاف بينهما كبيرة. مصابو الفِصام يسمعون أو يرون أشياء غير موجودة على أرض الواقع، كما أنهم يؤمنون بأشياء غير صحيحة، وغالباً ما تكون هذه الأشياء مترابطة في نظامٍ عقائدي غير منطقي. ولا يكون لهؤلاء المرضى شخصيات أو هُويات متعددة. أما مصابو انفصال الهُوية فلا يكون لديهم اعتقادات خاطئة فيما عدا شخصياتهم وهوياتهم المتعددة. كما أن الأصوات التي يسمعونها لا تخرج عن نطاق تلك الشخصيات.