الخوف من الصوت، أيّ صوت، هذا ما ستعانيه حين تعيش ما عشته

وَالحَربُ يَبعَثُها القَوِيُّ تَجَبُّرًا وَيَنوءُ تَحتَ بَلائِها الضُعَفاءُ، أحبُّ أن أبدأ هذا الكَلام بأحمد شوقي، حيث لخّص بهذا الشِعر وحصَر الفئة التي تتعذب فعلاً بالكوارث والحروب. مثلا سوريا. البلاد التي عايشت فيها مآسي كانت أشدّ قسوة حتى من نشرات الأخبار، خرجت منها بتجربة أعتقد أنّها غريبة، أن تخاف من أيّ صوت!.

لخّص الطبيب الأمر بكلمات مُقتضبة، لقد أعتاد على الأمر، مئات من شخّصهم بذات الحالة: فونوفوبيا، باختصار هو الخوف من الأصوات العالية، الأصوات المفاجئة، الضجيج، كُل الأصوات تتحوّل إلى مصدر يزعج ويتعب الجهاز العصبيّ ويستهلكه، هل يمكنك فعلاً أن تتعايش مع كل ذلك؟ لا أعتقد، لإنّ هذه التجربة تتداخل بشكل وثيق مع كل تفصيلة صغيرة في حياتك، هل يمكنك أن تتخيّل أنّك لا تستطيع منع العالم من ضجيجه ولا منع نفسك من التفاعل خوفاً مع هذا الضجيج؟. 

بعد الأحداث في مدينتي أصبحت أخشى فعلاً من أيّ صوت، ولو زمّور سيارة أو ضجيج مدينة عادي، الأمر تحوّل إلى فوبيا حقيقية.

لكن ماذا أفعل؟ أصبح التعايش مع هذا الأمر أصعب، حاولت أن أجد علاجاً لهُ أو خلاصاً شبه مستحيل بدون تعاون الأطباء، اهتديت أخيراً إلى أنّ الإنترنت يمنحني قدرة لا متناهية على القراءة والتعلّم على الأقل كما نفعل هنا في هذا المحيط الذي نتشارك به تجاربنا في حسوب IO ونرى ذات المرض أو ذات المشاكل ولكن من عيون وزوايا الأخرين. 

بدأت رحلة البحث الطويلة بدايةً باللغة العربية ثم انتقلت بفضل تعلّمي للغة الإنجليزية إلى البحث بها، صرت أبحث عن علاجات. أوّل ما بحثت عنه وحاولت التأكّد منه هو سمعي، هل هناك مثلاً اضطراب في سمعي؟ ذهبت إلى دكتور أنف وأذن وحنجرة، ثم إلى طبيب آخر لأتأكّد من تشخيص الأول: سمعك سليم. إذاً الأمر الأن نفسي، نفسي بحت. 

عُدت إلى تشخيص الأطباء السابق وعرفت أنّ الأمر قد يكون وراثي، فحاولت التأكّد من سلامة عائلتي وكلهم سليمين وزائد: أنا لم أشعر بهذا الأمر إلا بعد الحرب مباشرةً ما يجعلني أضعها سبباً مهماً جداً في القضية، بل السبب الوحيد للأمر وبنيت على هذا الأساس ومن الانترنت اكتشفت الكثير من الطرق لكنني سأورد فقط ما يجعلكم تستفادوا في حال خوضكم لتجارب مماثلة:

في البداية قمت بالتحكّم بالأصوات المحيطة على أكثر قدر ممكن وذلك لتقليلها، ومن ثمّ تعريض نفسي بشكل ذاتي ومقصود وبإرادتي لأصوات بمقاييس عالية مفاجئة، الأفلام ساعدت في هذه القضيّة، الأماكن المزدحمة وغيرها، لكن على أن تسبق هذه التجربة جلسات تأمّل هدفها تخيّل ذات التجارب السابقة ومحاولة تعديل التفاعل في الخيال، قد يبدو أمراً غريباً لكنه نجح، هذا يستخدمه مثلاً الطيارين، يعرّضونهم لظروف صعبة جداً مسبقاً في الخيال وأدواة المحاكاة للتحكّم بالسلوك والمشاعر بشكل آمن، حين تتكرر بعد ذلك التجربة ولو بشكل مفاجئ، الدماغ سيستخدم ما خُزّن مسبقاً.

باختصار للتأمّل قوة غير طبيعية بالشفاء، لكن ذلك التأمّل المدروس ذو الغاية، لا المفتوح عن الكلام الإيجابي الذي بلا معنى,

وأنت هل تعرّضت لتجربة مماثلة أو تعرف أحداً كان يعايشها؟ ماذا تنصجون من يعانون من هذه الفوبيا؟