الأطفال هم رصيد المجتمع المستقبلي، وقرة عين الوالدين، فهم محببون بأعين الجميع، وتظهر فيهم البراءة والعفوية والبساطة إلى أبعد الحدود، فهم بمثابة الصورة الحقيقية والمعبرة عن الإنسان في بداياته نموه، وخطواته الأولى نحو العالم .فتربية الأطفال بصورة سليمة مسؤولية دينية ومجتمعية وحتمية أيضا؛ لكي يتم تقويمهم على الطرق الصحيحة نحو دروب الحياة ومنعطفاتها المختلفة، في العسر واليسر، وفي الرخاء والشدة، فبتربية صحيحة تسموا نفوسهم ويصبحوا نماذج براقة من حسن السلوك والأخلاق الطيبة.. وإذا لم تتم تربيتهم بصورة المناسبة فيكونوا عالة على المجتمع يجرونه نحو المهالك فتكون النتيجة كارثية لامحالة.

في الغرب يتم التعامل مع الأطفال بمثابة الكبار، ويكون التعامل معهم على أساس الرعاية المبالغة فيها، فبتلك الطريقة يسهل للأطفال السيطرة على كل من حولهم؛ ويستغلوا كذلك الحرية المفرطة لديهم، مما يؤدي في أغلب الأحيان إلى العق والتمرد في أقل اصطدام يحصل بين الطفل ووالديه.. ومن أهم ما يشجع على هذا النوع من التربية لدى تلك المجتمعات هي القوانين التي تبالغ الحريات في كل شيء، وحتى الوالدين الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل أطفالهم يتم محاكمتهم لو اظهروا بعض التشدد والغلطة على ذويهم.

ولكن بالعكس في العالم العربي والإسلامي عموما، تنتشر ظاهرة العسكرة الوالدية في البيوت؛ بحيث يتعامل الوالدين تجاه أطفالهم معاملة تظهر فيها الخشونة والجفاء، واعتبار الأطفال مجرد رعية تابعين لمعسكرهم، وقضية العطف والحنان وتقدير رغبات الأطفال ليست في حساباتهم، فالأطفال دائما في خوف وحذر مستمر مما سيبدر من الوالدين.. ولا يوجد ساحة نقاش ومسائلات هادئة، مما سيؤدي في النهاية إلى ظهور تمرد وربما الهجرة من المنازل أو حتى من المدن، فتلك النماذج كثيرة ومنتشرة في مجتمعاتنا وما أكثرهم ممن يقعون في مهالك المخدرات والهجرات غير الشرعية هاربين من تصرفات الوالدين.. والمشكلة هنا أن الوالد المسلم يفهم حقوق الوالدين بطريقة مبالغة فيها، ويعتبر نفسه مالكا لكل ما يخص في حياة أولاده حتى النفس الذين يستنشقونه؛ مما يكون تمهيدا للسيطرة الكاملة على حياتهم في بدايتها ونهايتها..

قضية التربية عالم فسيح لا يمكن حصره بين دفتي مقال، ولكن ما يهمنا هو أن عالمنا العربي اليوم يفقد الكثير من ركائز التربية، والذي ينحاز غالبا إلى جانبين فقط: فهو إما يترك الأطفال يكبرون على العفوية بغياب المراقبة والتربية ويكونوا إمعة لاعقل ولا حكمة لهم، أو إما يتربون على أسرة عسكرية فيكون الأطفال تحت إمرة جنرال لا يعرف سوى الأوامر والكلمات الجارحة وحرية التعبير والاستماع من الأطفال ليست من أولوياته، فبين هذا وذاك يضيع الأطفال. ولكن لكي نطبق تربية قيمة ومتوسطة بين التشدد المفرط والدلال المضيع يوجد الحل.

ما رأيكم، هل يعيش أطفالنا بين القسوة والدلال؟ و كيف نحميهم من التمرد؟