هناك فئة تعشق القراءة، وعاشت، ولازالت، معها أزهى سنوات العمر.. فالقراءة صارت معهم كالماء والأكل والنفس، حياتهم معها مستقرة، ويتلذذون برتابة وجودها في حياتهم كما يتلذذون بروتين الأكل؛ لأن الجوع للأمرين يتجدد كل يوم؛ بل كل ساعات، فإذا جاعوا.. أكلوا.. وقرؤوا.. بكل بساطة، بلا توتر ولا قلق ولا مجاهدة.

وهناك فئة أخرى تكره القراءة، أو لا تكره القراءة ولا تحبها، وإنما لا تعني لها شيئا، فهي تلتقط معاني الحياة من المخالطة والتأمل والكفاح اليومي في مواجهة البشر، وتجد مشارب أخرى تنتفع منها وتنفع، وهي مكتفية بذلك، ومتصالحة مع فقدان العمق الذي تمنحه لك الكتب إذا أوفيتها حقها، وهي بلا عمقٍ سعيدة، ونافعة.. ومرتاحة البال.

وهناك فئة البين بين، فهم يعشقون القراءة كما يعشقها أهل الفئة الأولى؛ بل ربما أشد، لكن العلاقة متوترة، فتارة يسعون لها سعيًا، ويأنسون بها في أيامهم ولياليهم، ويلتهمون الكتب التهامًا، وتارةً ينفرون منها، ويهجرونها، مع تأنيب مستمر؛ لأنهم يدركون ما فاتهم جيدًا بهذا الهجر؛ بل يشتاقون لها، لكنّ أمرًا ما يقيدهم عنها.

وهم في هذه الحال بين إقبال وإدبار،

ما السبب برأيكم؟

وهل يتعايشون مع هذه الحال، فيقبلون إن أقبلت أنفسهم عليها، وينصرفون لأمور أخرى حين تنفر نفوسهم؟

أم أنه لا يليق بمن صعد لمهارة أن ينزل عنها؟

وإذا كنت من هذه الفئة، فكيف تتعامل مع الضمير المؤنِّب لك؟