لو تخيلت أن حياتي ليست مخططة مسبقًا، ولا توجد خارطة تحدد لي أين يجب أن أذهب، ولا قدر مكتوب يوجّه خطواتي. كل شيء في يدي، قراراتي، اختياراتي، وحتى الأخطاء التي أرتكبها. هذه هي الفكرة الوجودية التي يطرحها أنيس منصور، والتي تقوم على أن الإنسان مسؤول بالكامل عن تشكيل مصيره، وليس مجرد تابع لسيناريو موضوع سلفًا.
في ظاهر الأمر، قد يبدو هذا التحرر أمرًا عظيمًا، فهو يفتح أبوابًا لا نهائية من الفرص، ويمكّن الإنسان من أن يكون ما يريد. لا قيود، لا حدود، فقط الإرادة والاختيار. لكن في العمق، هذه الحرية المطلقة تأتي بثمن باهظ: القلق، الحيرة، وصراع دائم مع سؤال المعنى. ماذا لو اخترت طريقًا ولم يكن هو الطريق الصحيح؟ ماذا لو ظللت أبحث عن ذاتي ولم أجدها؟
المفارقة هنا أن غياب القدر المحدد مسبقًا قد يمنح الإنسان استقلالية مطلقة، لكنه في الوقت نفسه قد يتركه في حالة من التيه المستمر. البعض قد يرى في هذا فرصة ليبدع ويتحكم بمصيره، بينما قد يشعر آخرون بثقل المسؤولية، وكأنهم مجبرون على حمل عبء وجودهم دون دليل يرشدهم.
العالم لا يعطي إجابة واضحة، والوجودية لا تقدم حلولًا جاهزة، لكنها تجبرنا على مواجهة الحقيقة كما هي: لا شيء سيقرر عني، ولا شيء سيوجهني سوى نفسي، وهنا يبقى السؤال العالق، ليس عن معنى الحياة كما يسأل البعض، بل عن كيفية العيش في عالم لا يفرض علي معنى جاهزًا، بل يجعلني أصنعه بنفسي.
فهل هذه الحرية المطلقة نعمة تمنح الإنسان القدرة على تشكيل مصيره، أم عبء ثقيل يجعله عالقًا في دوامة لا تنتهي من البحث عن المعنى؟
التعليقات