ثم..

أستقل قطار عقلي الذي يأخذني لمحطات أفكار دون وجهة..

في كل محطة يتوقف فيها أعلم أنها ليست الطريق لحياتي، أين الطريق وأين الفكرة..؟

أنا فعلا لا أدري...

ثم..

تعطل القطار في منتصف طريق محطة مجهولة، كان الظلام دامسا مع مشاعر خوف مضطربة..

هذه المرة لا فكرة ولا محطة.. فقط المجهول..

المجهول ونقطة الصفر..

نقطة الصفر التي أريد من خلالها الوصول إلى نتيجة من غير مراعاة للخطوات الصغيرة...

تلك الخطوات التي تجمع موارد ذكائي وقدراتي، وتطرح خوفي لتقسمها على الأيام في شكل انجاز، لينتهي الأمر بضرب كل هذا في نقطة هدفي...

لكنني...

وفي كل مرة، أحاول كالغبية الوصول إلى نتيجة، من خلال قطار عقلي، الذي يتيه بي في محطات أفكاري الوهمية، التي تتوقف عند خيال لن يكون..

ثم وفي المقابل...

أنا عاجزة كفاية عن القيام بخطوات...

تشتت.. قطار سريع.. محطات كثيرة... والكثير من سوء الفهم أقدمه لنفسي المريضة...

ماذا أفعل؟

هل أستطيع الاقتناع بمسار ينطلق من قدراتي المنطفئة؟

هل لدي مسار حتى... وأنا أعيش رفقة قلب ميت؟

أين نقطة الصفر وأين الانطلاق؟ أين الهدف وأين المسار؟

في كل مرة أقول.. حسنا.. سأبقى أحاول لعل هذه المرة يأخذني عقلي لشيء ملموس...

هل أنا أضغط على نفسي؟ هل أنا قاسية؟

ما هي الوصفة المناسبة لأكون أنا، وأخرج إلى طريق ليس بمسدود على الأقل، وليس بكاذب على الأكثر...

لا أدري من أطفأ أنوار عقلي... ولا أدري كمية الطاقة الكافية لإعادة الإنارة... إلى وضوح..

ثم..

عندما فكرت بعمق وجدت أن الحياة ليست خطا مستقيما... خطا مستقيما على شكل سكة حديدية ينتهي إلى نقطة هدف موصول..

بل.. هي منحيات.. تعرجات.. تجارب.. واختبارات..

لا نعلم تحديدا ما سيكون فيها أو ما تخفيه عنا، هي مليئة بالمفاجآت..

وسواء كانت هذه المفاجآت سلبية أو إيجابية، هي تبقى بصيرة واكتشاف وكشف..

بصيرة لأشياء نظرنا إليها سابقا بسطحية، أو لم نرها حتى..

واكتشاف لمعنى نجده بأرواحنا في التجارب.. تجارب تهدينا خوض أشياء جديدة.. لم تكن موضع حسبان..

وكشف لمعدننا الإنساني.. من خلال ردود أفعالنا اتجاه هذه المفاجآت..

لا يمكن أن نؤمن بشكل متطرف بطريق من المحتمل أن لا يكون، لا يكون لأن السيطرة على الحياة تشكل مجموعة خالية..

من الممكن أن نسعى بالطبع لكن.. ليس بالضرورة أن يكون ما نهدف إليه محققا في المستقبل، وليس بالضرورة أن يكون.. هو الشغف.. هو الحياة.. وهو المعنى..

أدركت الآن أنني فقدت المعنى والهوية، وأظلم عقلي.. لأنني حاولت رسم حياتي على شكل خط ينتهي بنقطة...

ماذا كانت سأخسر لو قمت بتحويل فكرة ما دارت في عقلي إلى تجربة؟ وماذا كنت سأخسر لو تشجعت؟

فأنا لن أعلم ولن أدرك شيئا عن نفسي مادمت أتسمك برسم حياتي وفق زاوية نظر واحدة..

الحياة أعقد من أن نضعها في تصور واحد، وأعقد من حملها في خط مستقيم..

الحياة اكتشاف لنفسنا البشرية بالتجارب واختبار لمعدننا الإنساني بالظروف والمواقف..

في النهاية نحن بحاجة لخوض التجارب دون خوف.. ودون منحها الشغف والمعنى..

"التجربة تترجمنا إلى إنسان.."