لستُ ممن يجيدون بناء العلاقات مع الآخرين، حيث لدي عقدة الشك التي لا تجعلني أثق بالمطلق.

ربما أؤمن بنظرية ذلك الفيلسوف الذي ينصح الآخرين بإيجاد عين ثالثة حال نامت العينان اللتان يملكهما الجميع حذراً من ذي ثقة قد لا يكون أهلاً لها.

لكن مشاعر الشك تذوب حالما تأتي قطتي وقت قيلولتها طالبة أن أمسّد شعرها وأهدهدها حتى تنام، أو حين تأتي باحثة عن وقت فراغي لألاعبها قليلاً.

ذلك الاستسلام الكامل منها، ويداي تحيطانها دون خشية منها أن أغدرها أو أؤذيها أو أفاجئها بحركة غير متوقعة، استسلام بقدر ما يبدو طبيعياً لكنه يجعلني أتوغل فيه!، فكيف لذلك الحيوان القادر على أن يدافع على نفسه وأن يصبح متوحشاً إذا شعر بالخطر أن يضع روحه بين يديك آمناً مطمئناً واثقاً أنك أهلٌ لتلك الثقة؟.

هل يبدو الأمر بسيطاً لا يستحق الوقوف؟ ربما ترونه كذلك.

لكن وبصدق أقولها من شخص تعوّد الحذر من الجميع حتى من نفسه، واعتاد أن يشكّ بكلّ أفعال المحيطين به فإن ثقة ذلك الحيوان واستسلامه المطلق يجعل مسؤولية حمايته أكبر من لذة الشعور بالسيطرة والقوّة.

تخيلوا لو أنني بعد ذلك اليقين اللا متناهي به آذيته أو غدرته؟ هل سيعود للثقة من جديد؟

ربما هذه اللوحة الصغيرة بمشاعرنا تجاه ما نقتنيه من أشياء أو حيوانات تجعلنا -لو تفكرنا قليلاً- ندرك أن استسلام الآخرين لنا يفرض علينا مسؤولية حمايتهم لا السيطرة عليهم وإلغاء هويتهم.

وأنّ استدارة أحدهم ليعطينا ظهره ليواجه صعوبات الحياة فإنما لأنه بلحظة إيمان منه جعلنا السدّ المنيع ضدّ أي تيار يهاجمه والسور المانع لأيّ طوفان يأتي من ظهره.

وبأنّهم حين يثقون بالمطلق سيكفرون بالمطلق حال جاء الغدر من حيث لا يتوقعون.

فقط حين تسمعون صوت أنفاسهم المنتظمة جواركم، وحين يعطونكم ظهورهم دون التفات منهم للخلف، وحين يأتمنونكم على أكبر أسرارهم ، حين تكون أفعالهم جميعها رسالة واضحة أنهم يثقون، حينها فقط تكون شوكة صغيرة منكم كافية لقتلهم ووأد إيمانهم بالمطلق.