القانون الدولي الإنساني

1.مقدمة 

لقد أدى التدهور المستمر في البيئة الطبيعية منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي إلى إدراك عام لخطورة الاعتداء الذي يقترفه الإنسان على الطبيعة و خاصة في فترة النزاعات المسلحة و ما ينتج عنه من تلوث للبيئة وكافة مواردها مما يهدد الوجود البشري بشكل مباشر و لقد انعكس الاهتمام الدولي بحماية البيئة في إصدار العديد من الإعلانات و القرارات الدولية منها إعلان التقدم و الإنماء في الميدان الاجتماعي عام 1969 و إعلان ستوكهولم عام 1972 و الميثاق العالمي للطبيعة عام 1982 و مؤتمر ريو دي جانيرو و الاعلان الصادر عنه عام 1992 و بروتوكول كيوتو عام 1997 حول التزام الدول العالمية بمعايير محددة لانبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة تغيرات المناخ و غيرها الكثير , و كانت هذه الاتفاقيات و البروتوكولات تصب جميعها في حماية البيئة و حماية الصحة العامة و الرفاه الاجتماعي و تشجيع التنمية المستدامة للمصادر الحيوية بما يراعي حق الأجيال القادمة و الحفاظ على التنوع البيولوجي و حماية المناطق التي تضررت من الناحية البيئية .

لقد ازداد الاهتمام الدولي بموضوع البيئة نظراً لتضاعف مخاطر و أضرار قضايا البيئة على كافة دول العالم بحيث يصعب التصدي لها بشكل فردي من قبل الدول نتيجة الإمكانيات المحدودة الأمر الذي يتطلب تظافر كل الجهود العالمية لمواجهة الخطر على البيئة و العمل على التغلب على آثاره المدمرة كما أن تطور المجتمع الدولي و تحوله من نظام دول سابقاً إلى مجتمع دولي حالياً متضامن و متعاون فقد ازداد اهتمامه بالقضايا التي تهدد البشرية جمعاء و في مقدمتها قضايا البيئة و الإرهاب و الجريمة الدولية و غيرها.

2. المبادئ التي تحكم الحماية الدولية للبيئة أثناء النزاعات المسلحة -

  • مبدأ تقييد حق الاطراف المتحاربة في اختيار أساليب و وسائل القتال 

نظراً للتطور الكبير الذي حصل في فنون التسليح و أساليب القتال و استخدام أسلحة متطورة ذات أثر تدميري كبير على الحياة البشرية في جميع مناحي الحياة البشرية و ما تسببه من آثار و خسائر على كافة الأصعدة فقد بات من الضروري إخضاع الأطراف المتحاربة في اختيار وسائل للقتال لنوع من الضبوط و القيود و القواعد بما يضمن على الأقل تخفيف المعاناة البشرية أو الاضرار البيئية التي تتمخض عن الحروب و النزاعات المسلحة , حيث نصت المادة 22 من اتفاقية لاهاي عام 1907 على ( ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل الحاق الضرر بالعدو ) .

كما نصت المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف عام 1977 في فقرتها الأولى (البند الأول : إن حق أطراف النزاع المسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقاً لا تقيده قيود , البند الثاني : يحظر استخدام الأسلحة و القذائف و المواد و وسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها , البند الثالث : يحظر استخدام وسائل أو اساليب للقتال يقصد بها أو قد يتوقع منها أن تلحق الضرر بالطبيعة أضرار بالغة واسعة الانتشار و طويلة الأمد ) .

كما جاء في اتفاقية حظر استخدام تقنيات تغير البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى عام 1976 (البند الأول :تتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بعدم استخدام تقنيات التغير في البيئة ذات الآثار الواسعة الانتشار أو الطويلة البقاء أو الشديدة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى كوسيلة لإلحاق الدمار أو الخسائر أو الأضرار بأية دولة طرف أخرى , البند الثاني : تتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بأن لا تساعد أو تشجع أو تحض أية دولة أو مجموعة من الدول أو أية منظمة دولية على الاضطلاع بأنشطة منافية لأحكام البند الأول من هذه المادة ){43} .

  • مبدأ حظر الآلام التي لا مبرر لها 

حيث يهدف هذا المبدأ بالاشتراك مع المبدأ الأول إلى حظر استخدام الأطراف المتحاربة أسلحة و وسائل قتال التي إذا ما استخدمت في النزاع المسلح تفرز آلاماً لا مبرر لها لا تطول فقط العسكريين أو الاشخاص المنخرطين في الأعمال العسكرية فقط و إنما تضر أيضاً بالمدنيين و تتمثل أهم هذه الاسلحة في المقذوفات أو الرصاص المتفجر و الألغام يدوية الصنع و الأسلحة الكيميائية و غيرها الكثير من الأسلحة التي تخلف حدوث إعاقات دائمة و حرائق في الجسم .

  • مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية و الأهداف المدنية 

إن تطور الأسلحة بمختلف أنواعها و خاصة المسماة بالذكية فإنه أصبح بالإمكان ضرب الخصم في كل مكان و في أي وقت خارج نطاق الأعمال العسكرية و بالتالي إمكانية عدم التعرض لمناطق تواجد المدنيين , و بالتالي يجب حماية المدنيين من أخطاء الحرب و أضرارها من خلال وضع الضوابط و القيود للتمييز بين الأهداف المدنية و العسكرية و صون حريات الإنسان و حماية ممتلكاته أوقات السلم و الحرب على حد سواء .

بذلك نص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف عام 1977 في مادته 48 على ( تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين و المقاتلين و بين الأعيان المدنية و الأهداف العسكرية و من ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها و ذلك من أجل تأمين احترام و حماية السكان المدنيين و الأعيان المدنية ) .

و يخلص المبدأ إلى ما يلي :

حظر تظاهر المقاتلين بمظهر المدنية .

حظر توجيه العمليات العسكرية ضد الاهداف المدنية أو السكان المدنيين .

- حظر ارتكاب أعمال الخطف الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين و تهديدهم .

  • لا يجوز إحداث أضرار بالغة واسعة الانتشار و طويلة الأمد للبيئة الطبيعية .
  • حظر مهاجمة المناطق المجردة من وسائل الدفاع و المناطق المنزوعة السلاح و المناطق المأمونة و المحايدة .
  • على القادة عند الإعداد لهجوم اتخاذ التدابير و الاحتياجات أثناء الهجوم للحفاظ على حياة المدنيين .
  • مبدأ التناسب 

يعتبر مبدأ التناسب من أهم المبادئ الحاكمة الدولية للبيئة أثناء النزاعات المسلحة بصفة خاصة و من المبادئ المنظمة للحروب و النزاعات المسلحة بصفة عامة و يقوم هذا المبدأ على مراعاة التوازن بين ضروريات الحرب و النزاع المسلح و بين متطلبات الحفاظ على الإنسان و الحضارة البشرية أي أن يكون العمل العسكري في حجمه و قوته متناسباً مع النتائج المتوقعة من ورائه بحيث لا تكون الأضرار الناشئة عن الأعمال العسكرية غير متناسبة مع النتائج المتحققة .

 3.حماية البيئة وفق قواعد القانون الدولي الإنساني 

يعد القانوني ماكس هبر الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر هو أول من ابتكر مصطلح القانون الدولي الإنساني و يمكن القول بأنه مجموعة من المبادئ و القواعد المتفق عليها دولياً و التي تهدف إلى الحد من استخدام العنف في وقت النزاعات المسلحة عن طريق حماية الأفراد التي تم إشراكهم في العمليات الحربية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها و الجرحى و الأسرى و المدنيين و كذلك عن طريق جعل العنف في المعارك العسكرية مقتصراً على تلك الأعمال الضرورية لتحقيق الهدف العسكري, و يختلف القانون الدولي الإنساني عن القانون الدولي لحقوق الإنسان حيث أنه يعنى بحماية الفرد من جراء العمليات العدائية العسكرية و حماية البيئة التي يحيا فيها هذا الإنسان أثناء النزاعات المسلحة في حين أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يعنى بحماية حقوق الفرد بصفة عامة جراء الاعتداء على حقوقه .

و كما هو معلوم فإن البيئة في أوقات النزاعات المسلحة تتعرض لانتهاكات جسيمة قد تفوق تلك التي تتعرض لها في أوقات السلم و هنا يبرز دور القانون الدولي الإنساني في حماية البيئة كونه القانون الواجب التطبيق .

تشكل أحكام القانون الدولي الإنساني في تطوره المعاصر المصدر الرئيسي و الفعال في توفير الحماية القانونية اللازمة للبيئة الطبيعية و المحافظة على مواردها و ثرواتها في أوقات الحروب و النزاعات المسلحة و يتضح ذلك جلياً من خلال وثائق و اتفاقيات اثناء النزاع أو أحكام عامة يتم تداولها من فترة إلى أخرى .

  •  الأحكام المباشرة

تتمثل أهم هذه الأحكام في ما نصت عليه المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف عام 1977 الفقرة الثالثة حيث نصت على (يحظر استخدام وسائل أو أساليب للقتال يقصد بها أو يتوقع منها أن تلحق بالبيئة الطبيعية أضراراً بالغة واسعة الانتشار و طويلة الامد ).

كما نصت المادة 55 منه ( تراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار و طويلة الأمد و تتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها او يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية و من ثم تضر بصحة أو بقاء السكان ) و كذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 و التي أعطت اهتماماً خاصاً لموضوع حماية البيئة البحرية بشكل عام و ليس وقت النزاعات المسلحة فقط .

  • المعاهدات التي تحمي البيئة بطريقة غير مباشرة و منها :

البروتوكول المتعلق بحظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو ما شابه المعتمد في جنيف حزيران / يونيو 1925 .

اتفاقية حظر استحداث أو انتاج و تخزين الاسلحة البكترولوجية المعتمدة في نيسان /أبريل 1972 .

اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر المعتمدة في تشرين الأول /أكتوبر 1980 .

بعض أحكام اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في أثناء النزاعات المسلحة عام 1949و خاصة المادة 53 منه و التي تحظر تدمير الممتلكات الثابتة أو المنقولة و توفر هذه المادة حداً أدنى من الحماية للبيئة في حالة الاحتلال .

4. نتائج و مقترحات

  • لقد اصبح الحديث عن البيئة و حمايتها من الأمور المسلم بها في الوقت الحاضر و غدت مشكلة تزداد نعقيداً و تشابكاً الأمر الذي أصبحت فيه الحاجة ملحة للتدخل و إجراء الدراسات المتأنية للبيئة و خصائصها و تشخيص المشكلات التي تعاني منها .
  • يجب توفر وجود تشريعات بيئية منسجمة و متناسقة و غير متناقضة فيما بينها و ممكنة التطبيق على أرض الواقع و تلافياً للتعدد في النصوص القانونية فإنني أدعو إلى إيجاد تشريع بيئي موحد يكون له الأولوية في التطبيق و أن تنشأ بموجب هذا التشريع مؤسسة مؤهلة ذات إستقلالية مالية و إدارية يراعى في عملها الحياد و الموضوعية و الشفافية .
  • وضع مناهج دراسية في المراحل الجامعية ضمن كليات الحقوق تتعلق بالتشريعات البيئية و القانون الدولي الإنساني .
  • إن مفهوم الحماية القانونية للبيئة هو مفهوم واسع و في تغير مستمر لأن مجالات الحماية التي تجسدها هذه القواعد لا يمكن الإالمام بها مسبقاً كون العالم و البيئة في تغير دائم لذا يكون من الضروري تطوير التشريعات و القوانين المتعلقة في البيئة بشكل مستمر مع تطور العالم .
  • يجب أن تتواجد إدارات قوية و صارمة لتطبيق القوانين المتعلقة في البيئة دون الاخذ بعين الاعتبار سوى حماية البيئة , فوجود إدارة قوية له دور هام لما تتمتع به من صلاجيات السلطة العامة و خاصة سلطة ضبط النشاطات التي يمارسها الأفراد .
  • يجب أن يتواجد قضاء صارم و ردعي في تطبيق القوانين التي تتعلق بالبيئة و ذلك بتوفير و تدريب قضاة مؤهلين ز متخصصين في النظر في القضايا البيئية بصورتها المدنية و الجزائية و أن تأخذ القضايا البيئية طابع الاستعجال للتمكن من ضبط الأضرار البيئية بالسرعة اللازمة .
  • إن تطبيق القانون الدولي الإنساني يشترط تطبيقة بداية اندلاع الحروب و النزاعات المسلحة لذا يجب العمل على تطبيقه حتى وقت السلم كونه يعنى بحماية الإنسان و البيئة المحيطة فيه بغض النظر عن الفترة التي يعيش فيها و خاصة في ظل الجرائم العديدة التي تحدث للبيئة أثناء النزاعات المسلحة حيث لا يجب الاكتفاء فقط بما نص عليه البروتوكولان الإضافيان في اتفاقية جنيف عام 1977 .
  • ضرورة منح مجلس الأمن الدولي دوراً أكبر في تحديد المسؤولية عن الأضرار البيئية الواقعة أثناء النزاعات المسلحة .
  • ضرورة ملاحقة مرتكبي جرائم البيئة و مسائلتهم قانونياً أمام المحاكم الوطنية و الدولية في حالة فشل المحاكم الوطنية في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم .
  • محاكمة الدول المنتهكة للقانون الدولي الإنساني لما تسببه من أضرار جسيمة للبيئة ترقى لجرائم ضد الإنسانية

شكراً للقراءة الرجاء متابعة مدونتي عن تغير المناخ باللغة الانجليزية و يوجد ايقونة للترجمة العربية و شكراً