تغير المناخ و النزاعات المسلحة

لا يمكن أبداً أن نفهم كيف يؤثر تغير المناخ على الصراع أو التوتر بين الدول و تحت أي ظرف من الظروف إلا أنه من المرجح أن تكون عواقب تغير المناخ في المستقبل مختلفة عن ما حدث في الماضي لأن المجتمعات و الدول ستضطر إلى مواجهة ظروف غير مسبوقة تتجاوز الخبرة الموجودة ,حيث يختلف الخبراء بشدة حول العلاقة بين تغير المناخ و الصراعات حيث أن هذه الآراء على جانبين متعاكسين تماماً ففي حين أكدت دراسات وجود علاقة مباشرة بين تغير المناخ و النزاعات , نفت دراسات أخرى وجود علاقة مباشرة و استندت إلى أن الصراعات تكون ناتجة عن عوامل أخرى أكثر أهمية من المناخ كالعوامل السياسية و الاقتصادية , إلا أنه لا يمكن تماماً بأي حال من الأحوال أن ننكر وجود علاقة تبادلية بين تغير المناخ و النزاعات و الصراعات فأينما وجد تغير للمناخ كانت هناك توترات و صراعات و أينما وجدت الصراعات تضررت البيئة و المناخ .

يقول جيمس فيرون أستاذ العلوم السياسية " تاريخياً تأثرت مستويات النزاع المسلح بمرور الوقت بشدة بالصدمات و التغيرات في العلاقات بين الدول و في أنظمتها السياسية الداخلية , ومن المحتمل تماماً أنه خلال هذا القرن سيكون لتغير المناخ الذي لم يسبق له مثيل تأثيراً كبيراً على كليهما و لكن من الصعب للغاية توقع ما إذا كانت التغييرات السياسية المتعلقة بتغير المناخ سيكون لها آثار كبيرة على الصراع المسلح " .

إن زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض أو ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري أدى إلى ارتفاع في منسوب مياه البحار و المحيطات ( 19 سم ) حتى عام 2011 و من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر (24-30 سم ) في عام 2065 و (40-63 سم ) عام 2100 {4} و ذلك نتيجة ذوبان الجبال الجليدية و البحيرات و مجاري الأنهار المتجمدة في كل من القطبين الشمالي و الجنوبي كما تؤدي الحرارة المتزايدة إلى تغير في كميات و نمط الهطولات المطرية ( غزارة شديدة أو لا هطول ) و توسع الصحاري و انحسار الأنهار الجليدية و الأراضي دائمة التجمد و في حال استمرار ذلك و عدم اتخاذ خطوات فعالة و معالجة هذه الظاهرة من قبل كافة دول العالم فإن ذلك سيؤدي إلى غرق أجزاء من اليابسة بما في ذلك المنازل و الأراضي و المحاصيل الزراعية و بالتالي نزوح الملايين من سكان الأرض إلى المناطق الأكثر أماناً و هذا ما يشكل خطراً على جميع الأجناس بما فيها الجنس البشري , و هذا ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في جلسة طارئة لمجلس الأمن في شباط /فبراير 2021 حول صون السلم و الأمن الدوليين حين قال " كان العقد الماضي الأكثر ارتفاعاً في درجات الحرارة في تاريخ البشرية و مستويات ثاني أوكسيد الكربون سجلت ارتفاعاً قياسياً و أصبحت حرائق الغابات و الأعاصير و الفيضانات هي الوضع الطبيعي الجديد و هذه الصدمات لا تضر بالبيئة التي نعتمد عليها فحسب و لكنها أيضاً تضعف أنظمتنا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية " .

كما دعا غوتيرش و حث دول العالم و الحكومات على العمل معاً و يداً بيد من أجل الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى    ( 1.5 درجة مئوية ) مع نهاية القرن مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية و حماية الناس و المجتمعات التي تتأثر باضطراب المناخ و قال " يجفف تغير المناخ الأنهار و يقلل المحاصيل الزراعية و يدمر البنية التحتية و يشرد المجتمعات و يؤدي إلى تفاقم مخاطر انعدام الاستقرار و الصراع ". 

كما تحدثت السيدة جانين كوبر الرئيسة السابقة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ( أوتشا ) في كينيا عن احتمالية حدوث النزاعات و الهجرات بسبب تغير المناخ و ذلك في مقابلة نشرتها مدرسة بيل لعلوم الغابات و البيئة حيث قالت " في أوقات الجفاف ينتقل السكان إلى أي مكان تتوفر فيه الموارد و هذا يؤدي إلى النزاع في كثير من الأحيان و في سنوات القحط يحدث ذلك تقريباً , هل سنشهد ازدياداً في النزاعات المتعلقة في المياه ؟ بالتأكيد لكن هناك عدد كبير من الحلول المختلفة ". 

إن تأثير تغير المناخ على الموارد الطبيعية لأي دولة من الدول بالإضافة إلى الضغوط السياسية و الديموغرافية التي من الممكن أن تتعرض لها هذه الدول ستقلل من قدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها من الغذاء و المياه و الطاقة و بالتالي ستكون هذه الحكومات ضعيفة و هشة و ستزداد الصراعات الداخلية التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار هذه الحكومات , لذا فيمكن القول أن تغير المناخ يشكل تحدياً خطيراً و كبيراً على استقرار البلدان من الداخل و الخارج و يؤثر على شرعية الحكومات , كما يمكن لهذه الدول أن تتسبب في ظهور التنظيمات المتطرفة في ظل غياب الاستقرار و الأمن و ازدياد الفقر و خاصة بالنسبة للدول النامية و ما يزيد الأمر صعوبةً هو ارتباط هذه التنظيمات بدول كبرى خارجية يمكن أن تعمل دور المحرك و الممول مما يؤدي الى انعدام الاستقرار و الأمن و احتمال ظهور النزاعات بين الدول الكبرى نفسها , كما أن هذه الدول المسماة بالكبرى ليست بمنأى عن أثر التغيرات المناخية و خاصة تأثرها بحرائق الغابات و ما تسببه من نزوح داخلي و أيضاً نزوح إليها من قبل مواطني الدول النامية و بشكل غير شرعي أو شرعي نتيجة الصراعات هناك و بالتالي تحمل أعباء اجتماعية و اقتصادية كبيرة .

يمكن أن يتسبب الطقس المتطرف غير الثابت الناجم عن تغير المناخ و الكوارث الناتجة عنه في إلحاق الضرر بالاقتصادات و انخفاض الإنتاج الزراعي و الحيواني و عدم المساواة بين الفئات الاجتماعية في الدول , هذه العوامل و غيرها قد تقترن بدوافع أخرى للصراع قد تزيد من مخاطر العنف و الحرب .

لقد أدت العواصف و الفيضانات و حرائق الغابات و الجفاف في أنحاء العالم الى نزوح أكثر من ( 30 مليون ) شخص في عام 2020 حيث تسببت درجات الحرارة المرتفعة نتيجة حدوث فوضى مناخية وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي و الذي يتخذ من مدينة جنيف مقراً له في إرغام أكثر من (9.8 مليون ) شخص على الفرار و النزوح بسبب الحروب و الصراعات و العنف فيما أدى الطقس السيئ الى ارتفاع حصيلة النزوح الداخلي الجديدة في عام 2020 إلى (40 مليون ) شخص , كما أفاد التقرير بأن التقديرات تشير إلى أن (55 مليون ) شخص شردوا داخل بلدانهم في نهاية العام 2020 و هو ما يعد رقماً قياسياً إذ أنه يعادل ضعف عدد اللاجئين في العالم .

لذا يمكن القول بأنه عندما تنحبس الأمطار أو تهطل بغزارة كبيرة و تسبب فيضانات فإن ذلك يكون كارثياً و خطيراً للغاية لأنه يؤدي إلى كوارث و موجات نزوح سواءً داخلية ( تشرد ) أو خارجية ( لاجئي المناخ ), حيث تنبأت وثيقة مشتركة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية في عام 2012 أن الكثير من الدول الهامة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ستعاني من خلال السنوات العشر المقبلة من نقص في الماء أو من فيضانات و هذا سيرفع خطر عدم الاستقرار و الدول الفاشلة إضافةً إلى توترات إقليمية , و بعد ذلك صنفت وزارة الدفاع الأمريكية أن تغير المناخ كخطر أمن قومي حيث اعترف في حزيران/يونيو عام 2016 الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أيضاً بالبعد الأمني السياسي لتغير المناخ .

إن الحديث عن الأثر البيئي للنزاعات المسلحة قد يبدو تافهاً بالنسبة للبعض بالنظر إلى الخسائر البشرية الكبيرة التي تحدث أثناء النزاعات إلا أن الخلل في النظام البيئي و الذي تحدثه الحروب عبر تهديد حياة الحيوان و الحشرات و تلف المحاصيل الزراعية و إلحاق الضرر بالتربة و تسميمها له انعكاسات ضرورية حتمية على البشرية و على الرغم من أن الطبيعة قادرة على مداواة نفسها بنفسها فإنه تبقى الحاجة إلى حماية البيئة بعناصرها كافة أولوية كبرى تفادياً لكوارث طبيعية مماثلة , حيث أن فرص اندلاع النزاعات تتزايد متى ارتبطت بالموارد الطبيعية كالأراضي الزراعية و المياه , بناءً على ذلك فإنه على المدى البعيد قد تتضرر جميع البلدان في العالم جراء التغيرات في المناخ لذا يجب إعطاء اهتمام خاص و مسؤول للتعامل مع الصدمات الرئيسية للأمن الغذائي الناجمة عن الصراعات و الكوارث الطبيعية و الآفات و الأمراض النباتية و الحيوانية و تأثيراتها المحتملة الناجمة عن تغير الطقس , كما أن عدد الحالات الطارئة ذات الصلة بالأمن الغذائي و نطاق النزاعات و الصراعات يتزايد حيث أن نسبة الحالات الطارئة التي يمكن اعتبارها ناجمة عن فعل الإنسان قد ارتفعت بشكل كبير مع مرور الزمن .

إن تأثير النزاع المسلح لا يقتصر على منطقة النزاع حيث أنه يؤثر أيضاً على البلدان المجاورة نظراً لتدفق أعداد هائلة من اللاجئين و النازحين مما يترتب عليه عواقب و تضرر اجتماعي و اقتصادي يتجلى بعدم القدرة على الاندماج مع المجتمعات الجديدة و نقص فرص العمل للسكان الأصليين و نقص في الموارد الطبيعية لهم , كما يزيد من فرص انتشار الأمراض و خاصة مرض الإيدز ( نقص المناعة المكتسب البشري ) عن طريق التشرد و الاغتصاب و تجارة الجنس . كمثال على ذلك ما حدث في سوريا جراء الحرب الأهلية التي اندلعت في آذار /مارس 2011 و لم تنته بعد و ما زالت نتائج الحرب الكارثية موجودة ليومنا هذا متسببة بانتشار الفقر و الجوع و الوضع الإنساني السيئ و تدمير معظم البنى التحية بما في ذلك بنى المياه من سدود و محطات ضخ و شبكات مياه بالإضافة إلى هجرة و نزوح أكثر من (8 ملايين ) شخص إلى دول الجوار و تسببهم بأزمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية لهذه الدول .

المصدر

مدونتي باللغة الإنكليزية أرجو المتابعة