في كلام محوره الإنسان، بعيداً عن كل قانون وسياسة أحب طرح هذه القضيّة، أنا ابن بلاد تعرف حرباً، وفي البلدان التي عَيشها خَطِر ومُهدد يُستقطب إليها أعداد أكبر للخدمة العسكرية، وهذا الاستقطاب عادةً يكون جماعياً دون الأخذ بعين الاعتبار

أي نقص من أيّ نوع أو أي ظرف خاص لأي شاب قد ينقل إلى أداء الواجب.

فإذا حاولنا مثلاً تجاهل من اسمتهم منظمة الأمم المتحدة "المستنكفين ضميرياً" وهم الذين غير مقتنعين بالعمل الذي يقومون لاعتبارات تخصّهم، إذا تجاهلنا هؤلاء وتجاهلنا حتى أصحاب الأمراض الذين يصعب عليهم أحياناً العيش في ظروف صعبة قد تُهدّم أجسادهم، لكن ماذا عن الخوف؟ هل الخوف لا يكون مبرراً في هذه القضيّة لإلغاء الخدمة؟

تُطرح هذه القضيّة مثلاً في فيلم letters from iwo jima لعنصرين يقومان بالفرار خوفاً، فقط خوفاً من مواجهة في الحرب العالمية، على أنّهم كانوا سيتعرضون لحكم الخيانة العظمى والقتل مباشرةً!

لماذا يجب أن يكون الخوف حقاً مشروعاً لبطلان الخدمة؟ 

لا يمكن أن يحارب شخص يرتجف وخائف وهذا أصلاً ضدّ الإنسانيّة، وبالمناسبة ضد أي تنظيم يمكن خلقه في مواجهات عنيفة كهذه، إذ أنّ خوفه سيدفعه للقيام بأمور لا تُحمد عقباها قد تعرّض أقرانه للخطر؟ قد تُفشِل خططاً وقد تتسبب بخسارات فادحة. 

من المُعيب أن نصل إلى هذا القرن برأيي وإلى هذا التقدّم المعرفي وما زلنا إلى اليوم نعتمد في عيشنا على قيم الغاب، القيم التي ساعدتنا على النجاة في الغابات ولا يمكن أن تكون موجودة على الأقل أخلاقياً في المجتمعات المدنيّة، كفلسفة البطولة الوهمية والشجاعة والرجولة، كل مجتمع يسمّي الأمر كما يحلو له،ولكن في النهاية الكل يشترك في المعنى الواحد: الإنسان أداة لتحقيق مصلحة بغضّ النظر عن رأيه.

هل هذا فعلاً ما يجب أن تقوم عليه الحياة؟ هل هذا فعلاً مُبرر للتعالي على خوف إنسان من مواجهة أكبر منه؟ وهل الإنسان الخائف لا يستطيع أداء واجبه في مطارح أخرى؟ لماذا يصرّ واحدنا على وضع بعض البشر في خانات لا تناسبهم؟ هل يمكن أن نخضع لعمليات جراحية معقدة تحت اشراف شخص يخاف من الدم؟ إذا كان هذا لا يمكن، إذاً كيف نفسّر في هذا الزمن المُتقدّم إصرارنا على أن نحمي المجتمعات بأشخاص يخافون من المواجهة وأعمال العنف؟

كلّها آراء لي وأسئلة برسم المُهتمين، بطابع مشترك واحد موحّد: هل الخوف سبب يجب أن يؤخذ فعلاً في عين الاعتبار؟