هل يمكن للسينما أن تُخرِجك إلى الواقع أو تغيّرك؟

غالبًا ما يرتبط لدينا الحديث عن السينما بمشاعر الراحة والتسلية وامضَاء الوقت. وللأسف كثيرًا ما تتحول السينما من مادة للتأمُّل والِإلهام، إلى مجرد مادة استهلاكية تمْلء الفراغ، أو تساعد على الهروب من المهام اليومية. وهذا مفهوم؛ فالأعمال السينمائية موادٌ قابلةٌ للإدمان، إن لم تكن إدمانيّة بالأساس.

لكن هل يمكننا رؤية السينما بمنظور جديد؟ وهل يمكننا المشاركة بخيالنا متوافقين أو مستبطنين لخيال الكاتب والمُخرِج، محدثين تغيرات في حياتنا اليوميّة؟ ولم لا؛ ألم يُدهشنا ما فعله بعض الأسرى من أيام قليلة؟ ألا يمكن أن نرى ذلك كمحاكاة لرائعة المخرج والكاتب فرانك دارأبونت: الخلاص من شاوشانك؟

تنقسم الأعمال الأدبية بطبيعتها إلى ثلاثة أقسام: الواقعيّة الأخلاقيّة، الخياليّة، والرمزيّة.

وأنا هنا سأرَّكزُ على الأعمال الخياليّة، تلك الأعمال التي تقدح زناد الأفكار، وتهيم بالإنسان نحو آفاق بعيدة، حاثّةً إياه الدخول ثانيةً إلى لعبة الحياة، برصيد نفْسيٍّ جديد.

وقد يقول قائل: أن الأعمال الخيالية ضرب من المبالغات اللامنطقية، وسبيل لتعبيرنا عن عجزنا البشريّ، المتمثل في محدودية امكاناتنا. وهذه رؤية جيدة، لكنها تناست أن منبع هذا الخيال ما هو إلا عقل بشريٌّ، هُيِّئت له ظروف ملائمة، امتزجت بلمسَتيْ إبداع؛ والإنسان بطبعه كائن مُحاكِي.

ودعُونا نرجع إلى فيلم الخلاص من شاوشنك، والذي سنجد كاتبه أبرز شخصيتين يتمحور حولهما النوع البشري، الأولى شخصيّة ريد (مورغان فريمان) والأخرى شخصيّة آندي (تيم روبنز)، فالأولى تصالحت مع الواقع أو ربما خضعت له، مسخِّرة خيالها لفرض نوع من السيطرة داخل المجتمع الذي أجبرت على البقاء فيه، والشخصية الثانية فعّلت الخيال أيضًا، لكن هذه المرّة لقهر الواقع والتملّص من أنيابه. كذلك التعبير بالسجن في الفيلم مجازٌ رائع يمكن اسقاطه على حياتنا اليوميّة؛ فعدم مفارقتنا لبقع راحتنا ما هو إلا سجن يعبّر عنه أحيانا بالكسل أو بأننا بخير.

بالطبع الفيلم مليء بالاسقاطات الرائعة التي يمكننا مناقشتها في مساهمات قادمة، لكن إلى ذلك الحين، هل ترى السينما قادرةً على معالجة روتينك اليومي واخراجك للواقع، أو على الأقل مساعدتك في تكوين رؤية جديدة لعالمك الشخصيّ؟