«السؤال عن الكينونة ليس سؤالًا عن موجود، بل هو سؤال عن معنى الكينونة ذاتها» – هايدغر
عندما كتب هايدغر في شبابه أنه يريد أن يبرّر وجوده وأعماله أمام الله، في رسالته إلى الأب كريس(1919)، لم يكن بعدُ قد انفتح لديه أفق الكينونة المفتوحة على العالم.
إن ذلك "النداء الباطني" الذي بدا وكأنه ديني في ظاهره، سيتحوّل لاحقًا إلى نداء للكينونة نفسها، وهو ما سيجعل من الفينومينولوجيا لا تكون سبيلا لتبرير الإيمان، بل طريقًا لفهم شرط وجودنا الزماني في العالم.
وليس هذا النداء من نوع الأوامر الغنوصية أو الإلهية، بل هو صوت الصمت الذي يسمعه الدازاين حين ينقطع عن الانشغال بالضوضاء، وينصت إلى وجوده الخاص وقد انكشف له على حافة العدم.
هنا تبدأ الفلسفة لا بوصفها "تسليمًا" بمعتقد ديني أو بمعيش روحاني مستمد من الدين، بل تبدأ بوصفها سؤالا مفتتنا بالكشف ومحتفيا بما يُؤسّس المعنى لا بما يخضع له.
وهنا أيضًا يظهر الفرق الجوهري بين من يعلن حرب التهافتdestructio على الفلاسفة من أجل دحرهم، وبين من يفكك destruktion ليعود إلى أصول السؤال الفلسفي قبل أن ينحجب الوجود بالمفاهيم والتصورات الأونطيقية.
يسعى أسلوب كشف التهافت إلى استعادة القوة من خارج العقل، أما التفكيك الهايدغري فهو بسط قدرة العقل على الانفتاح على محدوديته الداخلية، ليس من أجل نقضه، ولكن لإعادة السؤال من جديد.
حين تلامس الفينومينولوجيا الكينونة فإنها لا تعود لاهوتًا ولا جدلًا كلاميا، بل تقيم في شعرية المعنى، وفي ضوء الحقيقة التي لا تُستنفذ.
التعليقات