ليس لدي مشكلة مع الدين كمفهوم وسلوك يُمارس في المجتمع، لكن لدي مشاكل هائلة مع بعض المتدينين الذين أسائوا فهم الدين وتطبيقه. بالنسبة لي، الدّين هو العلاقة بين الإنسان وإلهه، أي هو الطريق المُنظِم والضابط لهذه العلاقة، إذا فهو مرتبط بالإنسان وربّه حصراً. لكن نجد الكثير من المعاتيه الذين يحاولون دائماً فرض إيمانهم ومعتقداتهم وأفكارهم على الآخرين، ويحاولون باستمرار تحديد ما هو مسموح على الآخرين القيام به وما هو ممنوع. متدينون وقحون متعجرفون يريدون التطفل على الآخرين والعبث معهم، يتعاملون مع الدين وكأنّه مُلكاً خاصاً بهم ليس بالإله، وكأنّهم المسؤولون عن هذا الدين وانتشاره وتطبيقه وازدهاره، يحسبون بأنّهم آلهة مصغرة لديهم السلطة والصلاحية لفرض ما يريدون ولمنع ما لا يريدون. لهؤلاء المعاقين أقول فلتدعونا وشأننا، دينكم أو مذهبكم أو إيمانكم هو شأن خاص بكم، وهو محصور بينكم وبين ربّكم، لذلك لا داعي لأن تزعجوننا بفضولكم الوقح وتطفلّكم التسلطي، عيشوا ودعوا الآخرين يعيشون!
هراء مستفحل في الدين
قلت أن الدين علاقة بين الإنسان وإلهه فإن كنت تقصد بالإنسان الشخص المفرد فهذا غير دقيق إلا فيما يتعلق بالأديان الكهنوتية والرهبانية أما فيما يتعلق بالأديان المبدأية والتنظيمية فهذا غير صحيح
أما إذا كنت تقصد بالإنسان النوع الإنساني أي الناس بمجموعهم فهذا يقترب من الصواب
الدين وأتحدث هنا عن الدين الإسلامي بصفته ديني ولأن الموضوع مطروح في مجتمع الإسلام فهو يُعنى بالعلاقات الثلاث، العلاقة بين العبد وربه والعلاقة بين العبد ونفسه والعلاقة بين العبد والآخرين ولهذا عندما نزل الدين الإسلامي نزل كتشريع كامل متكامل ويحوي من الضوابط والقوانين ما ينظم بها حياة المجتمع ككل وليس فقط جاء ليصلي الشخص في خلوته ثم في الحياة العامة يقتل بعضهم بعضا ويشتم بعضهم بعضا ويسلبوا بعضهم بعضا
من جهة أخرى الوصف الذي ذكرته جاء بشكل معمم وحمال أوجه ويفترض أن تحدد الوصف أكثر لنرى إن كنت محقاً أم لا، فالله أمر الوالد أن يضبط تصرفات أبنائه إلى أن يبلغوا ويشتد عودهم وأمر الأولاد ببر والديهم على عكس حرية الغرب التي تسوغ للولد أن يشتكي على أبويه ويضعهم في السجن إن هو ضربهم مثلا، فهل نقول في هذه الحالة أن الأباء في المجتمعات العربية
"وقحون متعجرفون يريدون التطفل على الآخرين والعبث معهم"
بعيدا عن هذا المثال: إذا سلمنا بالكلام أعلاه على إطلاقه فبالقياس يجب أن نقول أن الحياة في الدولة هي علاقة بين الشخص و الحاكم فلا يأتي رجال الشرطة و البلدية وويطبقوا القوانين علينا وكأنها ملكا لهم وبهذا فهم
وكأنّهم المسؤولون عن هذا ((القانون)) وانتشاره وتطبيقه وازدهاره، يحسبون بأنّهم ((حكام)) مصغرة لديهم السلطة والصلاحية لفرض ما يريدون ولمنع ما لا يريدون. لهؤلاء المعاقين أقول فلتدعونا وشأننا، ((قوانينكم ومخالفاتكم ونظامكم)) هو شأن خاص بكم، وهو محصور بينكم وبين ((حاكمكم))، لذلك لا داعي لأن تزعجوننا بفضولكم الوقح وتطفلّكم التسلطي، عيشوا ودعوا الآخرين يعيشون! ((كما يحلوا لهم))
تطبيق الدين ليس خاصا برجال الدين وإنما مرهون بكافة أطياف المجتمع من الراعي إلى الرعية وهذا التطبيق هو الضامن للحفاظ على المجتمع بما يحويه من قيم وأخلاق من الانهيار، وهو أصلا جاء لتحرير الشعوب من الاستعباد الديني والسياسي، لا تبني آراءك على ما تشاهده الآن من مخالفات أو ما سمعته من تشويه ثم تعمم، لأنه بالأصل الدين محارب وما سُمح لهؤولاء المخالفين بالتواجد والانتشار سواء من قبل الأنظمة الديكتاتورية أو من قبل المستعمر الطامع والحاقد إلا لتشويه الدين عند أبنائه ليخرجوا بقناعة كالتي ذكرتها.
أنا لا أعني بدفاعي هذا أني أبريء من تتحدث عنهم فالمخالفين كثر، ولكن دافاعي انطلق من باب نقض التعميم الذي أتيت به وأسقطته على كل شيء وهذا لا يصح بحال من الأحوال. إذا كان لدى الشخص حساسية من الدين فلا يعني هذا أن الدين خاطيء وإنما تناوله هو للمسألة تحتاج إلى إعادة نظر.
ينظم بها حياة المجتمع ككل وليس فقط جاء ليصلي الشخص في خلوته ثم في الحياة العامة يقتل بعضهم بعضا ويشتم بعضهم بعضا ويسلبوا بعضهم بعضا
أنا لم أقل ذلك، وهذا سيكون تناقض كبير، إذ لا يمكن لمتديّن حقيقي أن يتعبّد في خلوته ومن ثمّ يتحوّل إلى مجرم أو فاسد أمام المجتمع، ما قصدته هو أن أرى أخلاق المتديّن في فعله وليس في أقواله و وعظه ونهي الآخرين عما يريدون فعله والتطفل عليهم بكثرة التعليمات.
الوصف الذي ذكرته جاء بشكل معمم وحمال أوجه ويفترض أن تحدد الوصف أكثر لنرى إن كنت محقاً أم لا
غير صحيح، أنا قلت حرفيا بعض المتدينين.
بعيدا عن هذا المثال: إذا سلمنا بالكلام أعلاه على إطلاقه فبالقياس يجب أن نقول أن الحياة في الدولة هي علاقة بين الشخص و الحاكم فلا يأتي رجال الشرطة و البلدية وويطبقوا القوانين علينا وكأنها ملكا لهم وبهذا فهم
مقارنتك بين الدين والدولة (القانون) لا تصلح بالمرة، لأنّه داخل الدولة قد يوجد العديد من الأديان أو الطوائف ولا يمكن فرض دين معيّن على الآخرين من أتباع الأديان الأخرى، لكن القانون داخل الدولة هو قانون واحد مُوحد يُفترض أن جميع المواطنين راضين عنه ويقبلون بالخضوع له، لذلك فالموضوعين بعيدين جداً عن إمكانية المقارنة بينهما.
تطبيق الدين ليس خاصا برجال الدين
لم أقل أبداً أن تطبيق الدين مرهون برجال الدين، بالعكس أنا أكثر شخص أشمئز وأنفر من رجال الدين كطبقة إجتماعية تريد احتكار الدين، ولأنّ هذا المصطلح أصلاً غير موجود في الإسلام بل هو فكرة مسيحية، فليس هناك كهنوت في الإسلام ويُفترض أن يكون جميع المسلمين رجال دين، لكن مرة أخرى أقول لك في أخلاقهم وأفعالهم وليس في كثرة كلامهم.
ولكن دافاعي انطلق من باب نقض التعميم
مرة جديدة أؤكد لك بأنّي لم أعمم، قلت بعض المتدينين.
إذا كان لدى الشخص حساسية من الدين فلا يعني هذا أن الدين خاطيء وإنما تناوله هو للمسألة تحتاج إلى إعادة نظر
ليس لدي أي حساسية من الدين، أنا مُسلم وأنا سعيد بديني، لكن أشدد مرة أخرى أن ديني هو بيني وبين ربّي وليس من المقبول أن يحاكمني أحد من قبل البشر ويحدد ما ينبغي أن أقوم به أو ما يجب أن أمتنع عنه، وإذا كنت أريد أن أظهر ديني للآخرين فبالأفعال ولا شيء سوى الأفعال. شكراً لك :)
التعليقات