لن ألوم الأبجديةَ إذ تتبرأ الآن من الساهرين، الذين همهم أن يمارسوا تطفلا على ذوي الفيض من أولي الفناء في الحضرات المثلى، ولن أقاومَ نضالا واستبسالا؛ لأقهر الحروفَ والمعاني على مطاوعتي، فإن ذلك يعسر، ولا يتأتى، ولا ينبئك إلا مثلي. فاقرأ رسائلك القديمة -يا أنا- ولوح بعلم أبيضَ، واسرح في رحابِ خيالكَ؛ مرتميا في أفضية منكَ، وممعنا نظرك العاتي في أقلياتِ العواطف المعوضةِ، فإنكَ تستحق ردا للانتباهِ، فلا اهتمام إلا ما أوليتَ لنفسك، أو أولتك النجمة التي ترعى، وبينكما من
كفكرة للحياةِ..
لم أفهمْ كثيرا مداءات هذا الانزياح، باعتبارِ الإنسان في الأصل "ظاهرة مرنة"، فهو يكادُ يكون المخلوق الواعي بتمظهراتهِ؛ استجابةً لإلحاحِ الظرف الزمكاني. ومن هنا فإن تأويلاتِ هذا القول تكادُ تنعدمُ، ولن نطلق الحكمَ لأن الكاتبَ لا بد يجدُ لها تفسيرا، سواء كان مقنعا، أم غير مقنع، مع أن المرونة، وفكرة التأقلم خياراتٌ إلا في حالات. إغراقا في المحاولةِ يمكنُ القولُ: إن الشاعرَ يريدُ أن يفصح أن الألفةَ تزيحُ معاني الأشياءِ الدقيقة؛ لذلك هو يريدُ أن تكونَ الحياةُ متجددةً في لحظاتها،
محاولة لمعناكِ..
منزاحة كرذاذ السحب في نسق لتغمري الرجل المهموم بالرمق كوردة تتوخى عاشقينَ إذا تخاصما كي تزيل الوجد بالحرقِ إنسانةٌ أضفت الإحساس واحتجبت خوف المجاز إذا ينبي عن الخلقِ ما ذا أردت من الإمعانِ في ولهي ولي من الذكرياتِ الخضر ما يرقِ إني لذو طرب للطيفِ منكِ إذا يراود الفكرَ تضليلا لمرتزقِ وفي نزيف حنين حين مرتمياً في غارِ شوقٍ.. وشوقي ليس باللبقِ يا أنتِ ما نزوات القلبِ منتشيا شذى المساقةٍ.. منقادا إلى الأفقِ؟ يا أنت ما خطرات الليل في دعةٍ
إليكَ أيها الزمنُ.. أقفو وجودي
أجدنِي مشدوداً إلى الماضي، ومنزاحا إليهِ، والذكرياتِ النديةِ. القديمُ بالنسبةِ لي هويةٌ مفعةٌ بالمعنى، مفعمةٌ بالإنسانِ. مع أني يقتاني فضولٌ مرهفٌ للحظاتِ القادمةِ، ومفاجآتِ المستقبلِ أحياناً.. إلا أني وإن كنتُ أجد ذلكَ الإحساس لأبقى مسكونا بشغف اللحظات العابرةِ، ومولعا بالبحثِ فيها، استمتاعًا بالحياةِ التي أبصرتُها في صورتها، دونَ "اكريماتَ"، و"فلترات" الأماني الطريةِ، والأحلام الشهيةِ، والآمالِ الجنةِ. التلاوات الكلاسيكيةُ، الكتبُ التي تنبع منها رائحة القدمِ، الأنوثة العفويةِ، الفنُّ والذوق الراقي...؛ أشياءُ لا أنفكُ يشدنِي إليها إحساسُ لذيذٌ، ورغبةٌ متقدة. أقولُ الآنَ
ما يفضي إلى اللغةِ!
هل كانَ يتصور امرؤ القيس وهو يمارسُ هواياتِه؛ منفصما أمام الواقع والحلم أنه يخلدُ في الذاكرةِ؟ أو كانَ الشنفرى وهو يكابدُ مغامراته يحتسب أن يُتدارسَ خبره بعد مئاتِ القرون؟ أو كان عنترةُ يتوقع أن يسافرَ شعرهُ عبر الزمن حافلا ببطولاتِهِ؟ أو كانَ المتنبي والجاحظ، والمعري، وجميل بن معمر، وكثير عزةٍ، وغيرهم إذ تفيض أشعارهم باللغة العاليةِ يتصورون حالها الآنَ؟ ليستِ الإجابةِ على هذه التساؤلات في حد ذاتها مهمة، بقدر ما تتيح من فلسفسةٍ ملهمةٍ تفضي إلى الإمعانِ في تأمل خصائص
إنهُ يومنا العالمي!
بمناسبةِ اليومِ العالميِّ للغةِ العربيةِ.. لن أفلِحَ في الكتابةِ عن فضل اللغة العربيةِ، ولا عن تميزها، ولا عن احتوائها الرحبِ لكل الأشياءِ. في اللغةِ العربية تشعر كل الأشياءِ بوجودِها في فضاءٍ حيٍّ، لا إقصاء فيهِ. تستوي في هذا الأشياء جميعا: ذات القيمةِ، على اختلاف درجاتها! وأنتَ تحاولُ التعبيرَ، وتجدُ اللغة مطواعةً حاضرةً بتلهف، تحسكَ ملكًا يصرفها جنوبا، أو شمالا، أو حيثُ أرادَ. إنها بحق ملكٌ عظيمٌ، وأعظمُ ما يكون لحظاتِ الانفجارِ العاطفي آناء الليل، أو أطراف النهار. كل عامٍ واللغة
هل سمعتَ بضحكِ الدَّهر؟!
تضاحَكَ مِنّا دهرُنا لعتابنا وعلَّمَنا التمويهَ لو نَتَعَلَّمُ هل تستطيع أن تستوعبَ هذا الانزياحَ الفلسفي في البيتِ؟ يمكننا أن نتصورَ بكاءَ الدهرِ، أو جفاف البحر إلخ... باعتبارها صورا مجازيةً، نؤلها إلى ما يتطابق مع المقام الذي تساق فيهِ، وهو مقام حزن (رثاء) غالبا. وهذا عائد إلى اعتيادِ الذائقة "الجمعوية" عليها في الشعر القديمِ، وتداولها في الشعر "الكلاسيكي"؛ لكن أن نرى استخفافا من الدهر، وهو الذي ينبغي أن يكونَ محايدا في حدثٍ ما، فإننا أمامَ منعرجٍ فني ربما يكون فريدا، وبعدا
دعوة إلى "دمقرطةِ" الشعور!
لا تَعذُلِ المُشتاقَ في أَشواقِهِ حَتّى يَكونَ حَشاكَ في أَحشائِهِ إِنَّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بِدُموعِهِ مِثلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بِدِمائِهِ المتنبي؛ لا أبْلغُ في وصفهِ إن وصفته بإجادةِ الشعرِ، أو الإبداعِ، وإني لأرى في نعتهِ بما هو متداولٌ من نعوتِ الشعراءِ والكتابِ، وممارسي اللغة المجيدين، مساواة لهم، وإن في هذا من المغالطَةِ للكثيرَ. فالمتنبي استناءٌ في الشعرِ والشعَرَاءِ. أثث المتنبي هذين البيتينِ بالشعورِ الفاخرِ، واللغةِ الأنيقَةِ، والإيقاعِ الساحر؛ فالمعنى هنا جليٌّ، ولذيذٌ، والإحساسُ متعة تستشري في اللغةِ، وأبْعدُ من هذا الإيمانُ والتصديق
صلوا عليه..
اللهم صل وسلم على الحبيب المصطفى.. صلوا عليه وسلموا تسليما.
الليلُ نافذتي! وأنت؟
أحبُّ الليلَ، وأتعجل قدومه في بعضِ الأحيان، إذ أحسّ في هدوئه المنسابِ دَعةً نفسية، وشعورا بِي، وبمواقفي العاطفيةَ. فهل تحسونَ -كما أحسُّ- بهذا الشعور؟
لا تفزعي..
لا تفزعي إنهُ أنا؛ في هذا الجزء من الليلِ، مؤرجحٌ بينَكِ والغد، فلا أفكرُ إلا مشدودا إليكِ، ومنزاحا إلى قلبكِ الرحبِ لي. وأنا أنزفُ من أثرِ الجفافِ العاطفي، بتعبيرِ الخبير "درويش"؛ أرتلُ -مرفرفا في حنينٍ إليْكِ- مع المخبتينَ في مشاعِرهم ذكرَ الحالمين، ووردَ الفانيينَ؛ فناءَ الشغوفِ بحبه، وتعلقه. فانسابي في هذا الهدوءِ معي. لن أطلقَ الآن على اللغة شغفي، ولا وجلي من الحقيقةِ؛ لأني: أحبكِ. نعاني الآنَ هشاشةً، تكادُ تنهارُ منها هذه القلوب المغلقة على أسمائها الفاتنة، والغامضة، فلا شفاءَ
تلويحةٌ للحنينِ..
لكَ يا قلبُ منيةٌ تستحيل وجواكَ الملم طامٍ جليل والدموع التي بها مستعدٌ لتخوض الحياةَ زادٌ قليلٌ وإليكَ الحنينُ زاحفُ ظلٍ وبك الشوق مستقرٌ.. نزيل تتراماكَ خلسةً أعينٌ تمتهنُ الصمتَ لعبة فتقول: جربتكَ القلوبُ يا مستفزا خضتها شاعرا تصول.. تجول فحنانيكَ روحك النازف الآنَ دما والغرامُ فيك قتيل فمتى تستفق لتحييَ حسا مات فيه الهوى.. فأنت السبيل أيها المنتشي أريجَ زهورٍ غاب عنها محبها المستقيل لا مكان تحيطه أو زمان فالهوى مال معك حيث تميل والزمان/ الإحساسُ فيك مربٌّ لك
هل يتوافقانِ: العقل والدين؟
تحكم الإنسانَ في حياتهِ أنواع كثيرة من أساليب الحكم، تتفاوت في حدود سلطتها، وقدرتها، وقوتها، ومستوى تجاوب الإنسان معها، ولسنا هنا في صدد نقاش المسائل التي تحكم الإنسانُ، أو تسيره بشكل عام. بل نحن سنتاول نمطين يمكن أن يوصفا بأنهما أكثر ما يوجه الإنسانَ في سلوكه، وأفكاره، وآرائه، إضافة إلى محاولة إبراز نقاط التوافق بين المسألتين وهما: الدين والعقل. يمكن أن نطرح سؤالين ليكونا منطلق الخوض في هذا الموضوع، وهما: ما طبيعة العلاقة بين العقل والدينِ؟ وما نقاط التوافق والاختلاف؟
محاولةُ نقاش..
محاولة لنقاش الاختلافات اللغوية المعاصرة بين الحداثيين وما يطلق عليهم المقلدين-الكلاسيين؛ ممتدة على ما يبدو، لتفيد إثراء للمحتوى الأدبي في الوسط الثقافي العربي، ذلك أن المجالات الأدبية الحديثة "المستوردة" أبانت اتساع اللغة العربية ورحابتها للفن والجمال والشاعرية. وليس من المنصف أبدا تجديد هذا الاختلاف بصورة دفاع عن الذات ضد مستعمر، أو مقاومة معتدٍ، فذلك غير منصف، وينبئ عن انغلاق. فإحياء روح الخدمة المشتركة أساسي جدا، وباب للإبداع خاصة في اللغة. مرجع مهم جدا هو التراث الأدبي العربي القديم، والارتباط به
أمشي وأربحُ حمارا!
ذُكرَ أن جحا اشترى عشرة حمير؛ ولما كانَ في الطريق، عدَّ الحمير دون الذي يركب عليهِ، فوجدهم تسعةً، فاستغربَ، ثم خطرت له فكرةُ أن ينزل عن حماره ثم يعدهم، فلما فعلها وجدهم عشرةً. وكررها مرات ثم قال في الختامِ: أفضل أن أربح حمارا على أن أركب. فساق حميره العشرة؛ وهو مسرور بأن ربح حمارا. لا تخلو القصة من طرافةٍ، إلا أن فيها ماهو أبعدُ من ذلك، وأكثر دلالةً، وسؤالا مفتوحا يستحق الجواب، والنقاش وهو: لماذا نغفل الإحساسَ بقيمة المعتاد؟
لا تعتذر؛ إلا لأمكَ!
في كل مرةٍ؛ يسبق درويش لما هو أبعدُ، وأعمقُ! ف"لا تعتذر إلا لأمكَ"
هل واجهتَ شعورا تجاه الماضي؟
في كل ليلة أسهر؛ أستعرض شريطا من ذكرياتي العاطفية، فأتصفحه مشهدا مشهدا. وأمام كل ذكرى أحس بهشاشة من غباء الماضي، مع أني أبرر أحيانا بعض الأحداث بإكراهات الظروف.. لكني لا أرغب حينها إلا في اقتطاع الماضي من العمر. فهل واجهتم شعورا تجاه الماضي؟
عن الكائنِ اللغوي "درويش"
سأحلمُ.. لا؛ لأصبحَ أي معنى خارجي! بل كي أرمم داخلي المهجورَ من أثر الجفافِ العاطفي. لا يمكنُ لأي شخصٍ مهما بلغَ من رحابةِ التفكير، وسعة الإدراكَ أن يحدد دلالاتٍ دقيقةٍ لشعرِ محمود درويش، ذلكَ أنه ينأى بنفسهِ في كل كتاباتهِ عن أن يحشرَ إبداعه في معاني سطحية ثابتة، لا يتجدد فيها الإبداع حسب السياق الذي ترد فيه. "سأحلم" هذا حلم درويشَ المتقد، الذي يستشري فيه شعرا.. لا يفارقهُ، فتحسه في كل تجلٍ بارزة أعلامُه، ماثلا أمامكَ بإدهاش آسرٍ. "لا لأصبح
أنا والموسيقى..
بي شغف بالموسيقى بأصنافها وأشكالها، مع أني من محيط يمكن وصفه بالمحافظ تقليدا، لكني مع هذا مارست شغفي بحرية تامة، فقليلة جدا هي النصائح المضادة التي تلقيت في هذا الشأن، ولا إكراه، لي شغفي وللباقين شغفهم في ممارسة الورع الموروث عن الموسيقى، والفن. في بداية صداقتي والفن، كانت روائع سدوم وديمي¹ وكاظم الساهر أبجدية أتناولها محاولة لهذه اللغة، ومع أني كنت متابعا نهما لصراع المفتين، لم أرهق نفسي في البحث، وأصلت عاطفيا لحكم خاص بي، فالمرء كما يقولون فقيه نفسي
فلسفةٌ..
تعبٌ كلها الحياةُ.. فما أعجَبُ إلا: من راغبٍ في ازديادٍ. في هذه الدقفة الشعرية، أحس المعريّ بألم المكابدَة المداوم، وشرارة القلق المتقدة، فأسس منها منطلقا فلسفيا، كانَ منعرجاً في فكره، وفكرته عن الحياةِ، مثله قوله: "هذا جناهُ أبي علي وما جنيتُ على أحدْ"، وربما أثر هذا الاستنتاج على أفكار شخصيةٍ كان مثلا لها. لاندري! من أثر تراكماتِ الإخفاق نتصور العدم في الأصل أو الرحيل إلى العالم الأخير راحةً، فنتطلع إلى ما هو في صلبِهما، من دعةٍ، وحريةٍ، ونغفل الشعور بجوانب
نص شعري.. عن حالةٍ لا تتجسَّد!
وأنا الذي مسته منك مشاعرُ واجتاحه (طيفا) صدى وخواطرُ ما كنت فيكِ سوى تأمل شاعرٍ يصبو ليورقَ في القصيدةِ خاطرُ كل الذينَ يحاولون أشُدَّهمْ خروا ضعافا لا هوى فيغامروا جابوا مجاباتٍ تنادي سربهم وسرابُهم برحابةٍ يستاخرُ وجلٌ على رأسِ المفازة ماثل مرحى.. يشير إليهمُ ليبادروا وهمُ على قلق تحسّ كأنهم أشتاتُ هذي الريحِ إذ تتناثرُ لأنكِ تستحقينَ الحضورَ الآنَ بين يديْ إخباتي، واندهاشي الرحبَ هنا! فهل تشعرينَ؟