تحكم الإنسانَ في حياتهِ أنواع كثيرة من أساليب الحكم، تتفاوت في حدود سلطتها، وقدرتها، وقوتها، ومستوى تجاوب الإنسان معها، ولسنا هنا في صدد نقاش المسائل التي تحكم الإنسانُ، أو تسيره بشكل عام. بل نحن سنتاول نمطين يمكن أن يوصفا بأنهما أكثر ما يوجه الإنسانَ في سلوكه، وأفكاره، وآرائه، إضافة إلى محاولة إبراز نقاط التوافق بين المسألتين وهما: الدين والعقل.
يمكن أن نطرح سؤالين ليكونا منطلق الخوض في هذا الموضوع، وهما: ما طبيعة العلاقة بين العقل والدينِ؟ وما نقاط التوافق والاختلاف؟
إن الله سبحانه وتعالى لما خلق الإنسان أمده بالعقل، ليكون حاجزا له عن كل ما لا ينبغي، وما يضر. وشرع له الدين ليكون منهجا سلوكيا، وطريقا قويما متبعا، يؤطره، ويوجهه إلى الخير.
ومن هنا يلتقي العقل والدين في أول نقطة اتفاق بينهما.
وإن طبيعة العلاقة بين الدين والعقل علاقة تكامل، وترابط، وليست علاقة تنافر، كما ينظر البعض. لذلك نجدُ رفع الحرج عن غير العاقل في كثير من النصوص الدينية إن لم نقل كلها، ونجد في المقابل تشجيعا منه على التفكير، والتبصر في آياتِ الكون، والبحثِ في مكنوناتهِ، لمعرفة أسراره، والآيات القرآنية في هذا الباب متوفرة، وهذه نقطة توافق ثانية.
وينضاف على هذا قول الفيلسوف إيمانويل كانط: "إن دينا يعلن الحرب على العقل؛ سيصبح مع مرور الزمن غير قادر على الصمود أمامه". ويفهم من هذا القول، الحائز حظا من الصواب، دعوة إلى التوفيق بين الدين والعقل؛ ذلك أن مجالهما واحد. وإن اختلفا، أو غلب أحدهما على الآخر، نتج عن ذلك سلب في الجانب الآخر، ومهما يكن السلب فإن له تأثيرا يتراكم مع مرور الوقت.
إن الدين باعتباره ضابطا عاما، فلا يكون إلا مراعيا لكل الظروف، ومتماشيا معها، آخذا بالاعتبار ذلك كله، وإن أي دين يقصي العقل أو موجها من موجهات الإنسانِ الأخرى؛ فإن ذلك يؤثر عليه، ويجعله متجاوزا في مراحل زمنية متقدمة.
التعليقات