في كل مرةٍ؛ يسبق درويش لما هو أبعدُ، وأعمقُ!
ف"لا تعتذر إلا لأمكَ"
صدقتَ أستاذ إذ عبرتَ عن الاقتباس بأن درويش يتجه نحو ما هو أعمق مما يبدو ظاهريا، وصدق درويش لما قال أن الأم تستحق الاعتذار.
أعتقد أن كل إنسان يرى في الأم قبل العطف والتحفيز والرعاية وغيرها كلها.. يرى فيها التضحية، هذه المَلكة التي تتفنن الأمهات في احتواء فلذات أكبادها بواسطتها، وتعظم بسببها في أعينهم أكثر فأكثر.. (لقد صدق إذًا في أن الأم تضحي مرارا فهي تستحق على كل خيبة أو ضعف أو انهزام اعتذارًا)
من جانب آخر قد يكون المقصد من درويش هو الحديث عن "الأم الكبرى"، الأم التي تحتوينا بأمهاتنا؛ يقصد هنا الوطن..!
«لا تعتذر سوى لأمك» قائلها الذي له قصيدة بعنوان "اعتذار"، يعتذر لوطنه عن أحلامه في الحرية وفي النعيم والسلام..
ثم نهاجمه: «اعتذرت يا درويشُ لغير أمك وتخبرنا أن لا نعتذر لغير أمهاتنا؟!»
ثم يجيبنا محمود دونما اعتذار منا: « لم أعتذر لغير أمي..، أمي هي الوطن، والوطن هو أمي..»
، هذه المَلكة التي تتفنن الأمهات في احتواء فلذات أكبادها بواسطتها، وتعظم بسببها في أعينهم أكثر فأكثر.
لا أحد ينكر ذلك وكلنا متفقين على ذلك؟ لكن أرغب في سؤالك؛ عندما ترتكب خطاً فادحًا تجاه شخص ما، هل تمتنع عن الاعتذار منه، كون أن الأم هي التي تستحق الاعتذار فقط ؟!
أستاذي العزيز..، إن النص البديع يحتم عليك أن تبدع، وإلا فإنك ستعتذر لصاحب النص على تشويه جماله وتعتذر لناقله لتشويش رؤيته، وتعتذر لذاتك أيضا على اعتذارك..
حينها ستكون قد اعتذرت لغير أمك أليس كذلك؟
بل اعتذر لكل من أخطأت بحقه، ماذا لو كنت مخطئا بحق والدك؟
لا أرى أن كلام درويش هو صائب، إذ يحتم علينا العيش مع البشر، ارتكاب أخطاء كثيرة بحقهم، وبالتالي تصليح الخطأ باعتذار، قد لا يكون الاعتذار يشفي جرحا، أو يغير أثرا، لكنه على الأقل يظهر كم نحن نريد أن نكون بأفضل حال، وأننا لدينا مشاعر وأحاسيس.
لذا أتفق مع الشافعي حينما قال: قُلتُ قَد جاءَني وَأَحدَثَ عُذرًا.. دِيَةُ الذَنبِ عِندَنا الاِعتِذارُ.
بيت مثير للجدل حقًا، لأول مرة سأختلف مع الشاعر محمود درويش. لا يمكن أن ننكر أن دور الأم وتضحياتها وأننا مدينون لها باعتذار وهي تستحقه فعلًا. لكن هل عندما نرتكب خطًا ما في موقف معين؛ يجب علينا ألا نعتذر؟! هل عندما نقصر في عملنا، ألا نعتذر؟! هل عندما نظلم الآخرين ظنا منا أننا على حق بعد ذلك يتبن لنا أننا أخطأنا ووجب علينا الاعتذار، فهنا ألا نعتذر؟! هل عندما نتغيب عن لقاء ما مع شخص ما تم الاتفاق معه على هذا اللقاء، ألا نعتذر؟! ووو
أعلم هناك مواقف وأشخاص لا يستحقون الاعتذار، فهنا بالتأكيد لا يمكننا أن نعتذر لهم ، ثقافة الاعتذار المفرط وعلى مواقف قد تكون مبتذلة لا تستحق الاعتذار ليست مقبولة في حين أن الاعتذار واجب علينا عندما نرتكب الخطأ الفادح والذي يستحق فعلًا الاعتذار.
بشكل خاص هذه القصيدة قالها محمود درويش مخاطبا نفسه، لذا هذه الرسالة كانت مخصصة وموجهة تجاه أمر معين حيث أنه أدرك أنه أصبح شخصا آخر غير الذي كان عليه، وذكرياته وطفولته وأصدقائه، وكتب هذه القصيدة التي عنوانها لا تعتذر عما فعلت، ولا يعد بيتا عاما ينصح به الآخرين.
شاعري المفضل دائما وأبدا. درويش أيضا كونه شاعر عظيم فشعره لا يخلو من العمق..
لا أعتقد أنه يقصد عدم الاعتذار بصفة عامة، درويش يقصد أنه مهما أخطأت لن يتقبل خطأك ويعفو عنك أحدا كأمك، الأم هنا ليس المقصود بها الأم الوالدة وفقط.
فإضافة لأمك التي أنجبتك فالوطن أم، والحبيبة أم، والصديقة أم، والأخت كثيرا ما تكون كالأم.. كل من يحبك بصدق هو بمثابة الأم..
درويش الرمز! وكما قلتَ أنه أبعد وأعمق فتعبيره في جملته يذهب لدلالات عدة كما أن المعنى الرمزي لا يقتصر على المعنى الظاهري من الكلمات فالاعتذار والأم وأسلوب القصر بينهما له الكثير من التفسيرات التي قد يكون أحدها معارض تماماً للمعنى القريب. لذا أقول لك لو أن درويش لا يعتمد على الرمز فربما قال لا تعتذر إلا لأمك ولكل من سيغفر كأمك قبل أن تعتذر له حتى..
التعليقات