لن ألوم الأبجديةَ إذ تتبرأ الآن من الساهرين، الذين همهم أن يمارسوا تطفلا على ذوي الفيض من أولي الفناء في الحضرات المثلى، ولن أقاومَ نضالا واستبسالا؛ لأقهر الحروفَ والمعاني على مطاوعتي، فإن ذلك يعسر، ولا يتأتى، ولا ينبئك إلا مثلي. فاقرأ رسائلك القديمة -يا أنا- ولوح بعلم أبيضَ، واسرح في رحابِ خيالكَ؛ مرتميا في أفضية منكَ، وممعنا نظرك العاتي في أقلياتِ العواطف المعوضةِ، فإنكَ تستحق ردا للانتباهِ، فلا اهتمام إلا ما أوليتَ لنفسك، أو أولتك النجمة التي ترعى، وبينكما من الضوءِ والظلام مسافاتٌ، وبينكما من الحبِّ وما تضمرانِ ما يقر أعينكما.

الحديثُ مع الذات في هذا الوقتِ تسليةٌ، وتخفيف عن القلبِ المثقل.

وهنا لا نسرف إن تساءلنا بعفويةٍ عن احتفاءاتنا بالشخوص المحترمة، التي تقدر الأشياء والقلوب التي تقدرها بحبٍّ على قدرها. تقول الحياة لكل الذين يبغون في المشاعر استبدادا: إنكم لن تفحلوا. فافرحوا من الآن، واقرأوا ما تشاءون، وزخرفوا غرفكم بالزهورِ الفتيةِ، أو العكس؛ فلا "سلطانَ على القلب"، ولا تحريف يغتفر في الحب، ولا خطيئة فيه كبيرة أو صغيرة تعفى كأن لم تكنْ. فكل الذين يشعرونَ بجديةٍ لا يستطيعون الغفران، ولا يجب الاعتذار ما قبلهُ، فحافظوا على الذي يهتمون بأقل الأقل منكم، ومن ذكرياتكم، وبقايا العواطف تجاهكم، فهم قابضونَ على الإحساس بالوفاء.

إن الذين يخادعون البرآء بحب مزيف لهم

الذل وهم يرومون إثبات أنفسهم بالوطءِ بأقدامهم على مقدسات الطيبين من بني آدم، والمخلصين من المحبين.

قصص الأوفياء لا يحتذى بها، وقصص الغادرين لا يحتذى بها؛ بل الفصل العدل أن يراعي المرء ما يحفه من وعكات شاعرية، ووجدان فتية، ويجازيَ كل صنف بما يقابل به. فالوفاء لا يلزم الانتقام، والغدر لا يلزم الاعتذار، لذلك أن ينهج الإنسان منهجا وسطا فإنه يقاربُ الحق، ويحاذر أن يجافيه. فاختر لقلبك أن سيدا.

فماذا أصابكَ بعد ذلك اليوم؟