(اقرأ)

أول آيةٍ نزلت فِي القُرآنِ على خيرِ الأنامِ في عتمةِ ليلٍ تَلُفّهُ السَّكِينةُ ويعترَيه السلام.

تلك الآية التي غيرت ملامحَ الكون، ورسمت نهجاً إلهياً وعقلياً للبشرية.

(اقرأ) تلك البدايةُ للتغيير، للتطوير، للنهضة بعد السقوط والانطلاقة بعد تعثر.

آيةٌ فيها نِبراسُ أمة، وطريقُ هِداية، وصفحةٌ بيضاءَ في طريقِ العقولِ ترسم عليه محطاتُ الحياة.

ثم يقفزُ السؤالُ الأهمُّ دائماً :

لماذا نقرأ؟

إنها شرفةٌ تطلُّ على بستانٍ من المعرفةِ يرَى القارئُ العالمَ من نافذَتِها، فيقرأُ طلباً للعلم، ارتقاءً بالأمَّة، وامتثالاً لمن قال : اقرأ.

قد تقِف كثيرٌ من المعوقاتِ أمامَ القارئِ فتحدُّ من قدرتهِ على الاستمرارِ فيها كبطءِ الانتقالِ وقلة التركيزِ وعدمِ اختيارِ الوقتِ والمكانِ المناسبَين، لذا، يجب أن يتصفّح القارئُ ذاته ويرتقي بها.

لكل منا ذوقٌ معينٌ في مجالٍ تهواهُ نفسهُ ويطيبُ لهُ خاطره وينتشي له عقله، فيجبُ أن يكونَ للقارئ جدولا من أنهارِ القراءة يخصه بها ويمتلئ به شغفا وحبا.

فمثلا،يجد البعض في الرواياتِ السكونَ والتبحر في خيالاتٍ أولجتها مخيلة صائغها، وتشكلت فِيها معالمُ شخصيته، بينما تُقرأُ سيرُ الأعلامِ ليُعتَبر مما علّمتهم الحياة.

وتأتي بعد ذلك تلك الكتب، التي تضيء شعلةَ أملٍ في عالمٍ تزاحمت آلامه، تأتينا فتضمّدَ جِراحَنا، وتُرشدنا السبيلَ بعد أن أضعنا الطريق، كتبٌ وكأن كاتبها خصنا بها ليساعدنا على أن نعيش!

(حياة في الإدارة) ، أنموذجٌ عمليٌ لنوعية تلك الكتب، فقد كان له من التاثير الشيء الكبير على الكثير، وهو كتابُ سيرةٍ ذاتيةٍ للدكتورِ غازي القُصيبي -رحمه الله- عن حياته منذ نعومة أظفاره حتى أصبح سفيراً في لندن من منظور (إداري).

يتناولُ الراحلُ في طيات كتابهِ العديدَ من منعطفاتِ حياتهِ والتي عملت على تشكيلِ هويتهِ، ويستعرض آرائه كما يُقدمُ نصائحَ منوعةٍ للشَّبابِ المقبلينَ عَلَى سوقِ العمل خاصة، ومما قال في كتابه :

" كنتُ، ولا أزال، أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغاً ما بلغ عددهم."

يبقى الطريقُ ممهداً للمسير، والبابُ متاحاَ أمام العقول، والمفاتيح : إرادةٌ وعزيمة.

فلن نصلَ إلى غاياتِنا مادُمنا لانُرافقُ الكتابَ ولانعقدُ صلحاً مَعَه، فيعلو بنا في سماوات المعرفة، ويغوص بنا في محيطاتها.

يَقُولُون : تَكُونُ الكتبُ ثقيلةً لأنَّ كلَّ العالمِ بِدَاخِلها.