هناك أناسٌ لا يعرفون معنى الصحبة، ولا يقدّرون عيشًا شاركوه، ولا ملحًا ذاقوه مع غيرهم. يعرفونك في الخير، ويؤذونك عند أول خلاف. يبتسمون في وجهك، ثم يغتابونك في ظهرك، وكأن المعروف شيء يُمحى بكلمة، أو العِشرة تُنسى بنزوة غضب من أقسى ما يمرّ به الإنسان أن يتلقّى الأذى ممن شاركوه تفاصيل الحياة، ممن جلسوا معه على مائدة واحدة، وتقاسموا معه أفراحه وأحزانه. فالغريب إن أساء… سهل تجاهله، أمّا القريب والصديق فطعنتُه أعمق، وأثرها أطول. لقد صار بعض الناس لا يتورّعون
خوفٌ يظلم أكثر من الحسد
الحسدُ مذكورٌ في القرآن، ونؤمن به إيمانًا لا شكّ فيه؛ قال تعالى: “وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”. لكنّ المشكلة ليست في الحسد ذاته، بل في أولئك الذين يُضخّمونه حتى يتحوّل خوفهم إلى ظلمٍ لمن حولهم. هناك من يفسّر كلّ تعبٍ أو خلافٍ أو حادثٍ عابر بأنّه حسد. ويخشى الفرح، ويُخفي النعم، ويُقلّص ضحكته مخافةَ عينٍ تصيبه. بل قد يظنّ السوء بغيره، أو يتّهمه دون بيّنة، وكأنّ القلوب تُقرأ، والنوايا تُعرَف من النظرات. إنّ الإفراط في الخوف من الحسد أشدّ قسوةً
حين يصبح الوجع طريقًا إلى حماية الآخرين
كيف حوّلني الألم إلى صوتٍ للوقايه؟ لم أكن أتخيّل أن جرحًا صغيرًا يمكن أن يغيّر حياتي بالكامل. كنت مريضة، أعاني من عدوى في جرح بسيط، لكن بسبب إهمال بعض الأطباء، تحوّل الألم إلى معاناة طويلة. كانت تجربة صعبة جسديًا ونفسيًا، خصوصًا عندما تشعر أن من يفترض أن يخفف ألمك، كان سببًا في زيادته. لكن هذه التجربة القاسية كانت بداية طريق جديد لم أتوقّعه. بدل أن أبتعد عن المجال الطبي، قررت أن أقترب أكثر — لكن بطريقة مختلفة. التحقت بكلية الرعاية
لماذا نخاف من الحديث عن الموت؟
الموت حقيقة لا مفرّ منها ومع ذلك يبقى واحدًا من أكثر المواضيع التي نتجنّبها في أحاديثنا اليومية. كثيرون يعتبرونه نذير شؤم، أو مجرد كلمة تجلب الحزن. بينما في ثقافات أخرى يُنظر إليه باعتباره جزءًا طبيعيًا من دورة الوجود. في مصر القديمة، لم يكن الموت نهاية بل عبورًا إلى حياة أخرى، لذلك امتلأت مقابرهم بالرسوم والتماثيل و"كتاب الموتى" الذي يصف رحلة الروح بعد الفناء أما في الفلسفة اليونانية، فقد كان سقراط يرى أن الفيلسوف يتدرّب طوال حياته على الموت، لأنه يدرك
مُــفترق الـطُرق
في مساءٍ رماديّ كان "آدم" يسير بخطوات مترددة على رصيف شبه خالٍ. كل شيء حوله بدا مألوفًا، لكنه في داخله شعر بالغربة. كان عائدًا من مقابلة عمل هي الثالثة هذا الشهر، وكالمرات السابقة، انتهت باعتذار لبقٍ. جلس عند زاوية المقهى القديم الذي اعتاد أن يزوره في أيام الجامعة، يتأمل الوجوه العابرة. فجأة، لمح رجلاً مسنًّا يجلس على الطاولة المقابلة، ينظر إليه بثباتٍ كأنه يعرفه منذ زمن. لم يمض وقت طويل حتى قال الرجل بصوت هادئ: – "أتعرف ما مشكلتك يا
هل حقًا نُقاس بعيون الآخرين؟
كم من مرة شاركت فكرة أو إنجازًا بسيطًا، فجاءك الرد لا يحمل سوى انتقاد جارح أو نظرة مثبطة؟ الأشخاص السلبيون لا يسرقون جهدك فقط، بل يزرعون في داخلك شكًّا دائمًا: هل أنا حقًا جيد بما يكفي؟ لكن الحقيقة أنّ السلبية في أغلب الأحيان ليست عنك، بل عنهم. هُم يفرغون ما بداخلهم من خوف أو فشل أو غيرة في كلمات تُوجّه إليك. ولو تأملت الأمر بعمق، لاكتشفت أنّ ردودهم ليست سوى مرآة لحياتهم هم، لا لحياتك أنت. لذلك، صرت أتعامل مع
لست مُتأخرًا بل مُختلفًا
كثيرًا ما نقيس أنفسنا بميزان الآخرين، فنظن أننا فشلنا لأننا لم نصل حيث وصلوا، أو لأن خطواتنا بدت أبطأ من خطاهم. لكن الحقيقة أن الفشل والنجاح ليسا صورتين متطابقتين للجميع، بل هما انعكاس لتجارب فردية، تختلف باختلاف ما نحمله في قلوبنا وأحلامنا. قد ترى نفسك عاجزًا في الدراسة، بينما زملاؤك يتفوقون بسهولة، فترى الفشل يُطاردك في كل امتحان. لكنك حين تدخل مجال العمل أو الكتابة أو حتى تجربة حياتية بسيطة، تكتشف أنك تملك شيئًا خاصًا لا يملكه غيرك. وكأن الله
قوة الدراما في كشف الضعف الإنساني
في كثير من المسلسلات العربية والعالمية، لم يعد البطل هو ذلك النموذج المثالي الخالي من العيوب، بل أصبح شخصية تحمل في داخلها كسورًا خفية، قد لا يراها الآخرون. هذه النقلة الدرامية لم تأتِ من فراغ؛ فالمُشاهد لم يعد يصدق البطل الذي ينتصر دائمًا دون أن يتألم أو يتعثر، بل صار يبحث عن الإنسان خلف القناع. فكرة "البطل المكسور داخليًا" تضيف عمقًا خاصًا لأي مسلسل. فهي تجعلنا نرى كيف يمكن للشخص الناجح في عمله أن يكون عاجزًا عن مواجهة وحدته، أو
العنف… حين يتحول الصمت إلى صرخه
العنف ليس مجرد فعل جسدي يُمارَس على جسد آخر، بل هو فكرة تُولد في العقول قبل أن تُترجم إلى يد تضرب أو لسان يجرح. منذ فجر التاريخ، والعنف حاضر كظلٍ ثقيل يرافق الإنسان؛ من صراع الأخوين هابيل وقابيل، إلى حروب اليوم التي تُدار بأزرار تضغط عن بُعد. المفارقة أن الإنسان، الذي وُهب العقل واللغة والفن، ما زال يجد نفسه أسيرًا للغريزة حين يعجز عن الحوار. فيتحول النقاش إلى صراع، والخلاف إلى كراهية، والاختلاف إلى عداوة. وهنا تتجلى خطورة العنف: أنه
حين تَحكي الأفلام ما لا نستطيع قوله
في الحياة هناك أشياء نعجز عن البوح بها… مشاعر نخفيها وذكريات نخشى لمسها، وأحلام نخبّئها بعيدًا عن العيون لكن السينما، بخفة ظلّها وعمق فنّها، تتجرأ على قول كل ذلك بدلًا عنّا. مشهد بسيط قد يختصر حكاية عمر، وكلمة في حوار قد تعالج جرحًا نحمله منذ سنين. أحيانًا نضحك على فيلمٍ لا لأنّه مضحك، بل لأنّه لامس وجعًا قديمًا أردنا أن نخبئه خلف الابتسامة. وأحيانًا نبكي على مشهدٍ ليس لأنه حزين، بل لأنه جعلنا نتذكر شيئًا دفناه في أعماقنا. السينما ليست
على مفترق الحرية والقدر
منذ فجر الفلسفة تساءل الإنسان: هل نحن نرسم حياتنا بأيدينا أم أننا نسير في طريق كُتب لنا منذ البداية؟ كل قرار نتخذه من أبسط الأمور إلى أعقدها يبدو وكأنه نتيجة إرادتنا الحرة… لكن، ماذا لو كانت هذه الإرادة نفسها جزءًا من خطة أوسع لا مهرب منها؟ هناك من يرى أن حياتنا سلسلة من الأحداث المترابطة، لا يمكن لأيٍّ منا أن يغيّر مسارها مهما حاول، وكأننا ممثلون في مسرحية مكتوبة النهاية. وهناك من يرفض ذلك، مؤمنًا بأن الإنسان يملك حريةً مطلقة،
ماذا لو أُتيحت لنا فرصة إعادة يوم واحد من حياتنا
تلك اللحظة التي يتمنى فيها الإنسان أن تعود عقارب الساعة للوراء، ليُصحّح كلمةً قالها، أو يتراجع عن فعلٍ أقدم عليه، أو ربما ليختار طريقًا مختلفًا تمامًا… هي لحظة عرفها معظمنا، حتى وإن كانت مجرد حلم عابر. في بعض الأفلام والمسلسلات، نجد أبطالًا أُعطيت لهم هذه الفرصة المستحيلة: إعادة يوم واحد من حياتهم. وفي كل مرة، يكتشفون أن العودة ليست سهلة كما تبدو. فكل قرارٍ جديد قد يفتح بابًا لنتائج غير متوقعة، وأحيانًا أكثر تعقيدًا من الماضي الذي حاولوا إصلاحه. الفكرة
حين تبتلع الأرض مدنها
ليست كل المدن خالدة… بعضها يختفي كأنه لم يكن، تاركًا خلفه أساطير وحكايات، وبقايا حجارة تشهد على مجدٍ مضى. مدينة بومبي في إيطاليا، مثلًا، كانت نابضة بالحياة حتى جاء يومٌ في عام 79م، حين ثار بركان "فيزوف" وغطّاها برمادٍ كثيف، جاعلًا الزمن يتوقف فجأة. بقيت مدفونة قرونًا، حتى أعادها المنقّبون إلى النور، كأنها كبسولة زمنية من عالمٍ آخر. وفي أعماق البحر الأبيض المتوسط، يرقد ما تبقى من مدينة هيراكليون المصرية، التي كانت بوابة إلى عالم الفراعنة والتجارة القديمة، حتى ابتلعتها
حين يصبح الحبر ملاذًا
نحن لا نقرأ لأننا نحب القصص فقط بل نقرأ لأن الواقع أحيانًا لا يفتح ذراعيه لنا. فنلجأ إلى الصفحات… نجلس بين السطور كما يجلس الغريب في مقهى لا يعرف فيه أحدًا لكنه يشعر فيه بالأمان. الكتاب لا يسألك: "كيف حالك؟" لكنه يغمرك بإجاباتٍ لم تسأل عنها.. ويأخذك إلى أماكن كنت تحلم أن تصلها ثم يعيدك كما أنت… ولكن بشكلٍ آخر. الروايات لا تُنسى لأنها تلمس الأماكن التي لا يراها أحد أنت لا تتذكر تفاصيل الرواية دائمًا لكنّك تتذكر شعورك وأنت
حين تظن أنك لم تختر، بينما الحقيقة أن الله هو من اختار لك
كم مرة شعرت أن الحياة دفعتك إلى طريق لم تختره بيدك؟ كم مرة وجدت نفسك تقف أمام باب، لا تعرف كيف وصلت إليه أصلًا، لكنك مضطر أن تدخله لأن لا خيار آخر أمامك؟ كأن تقول: "ما لقيتش غير الكلية دي، أو الوظيفة دي، أو الشخص ده… فوافقت". ويظل في قلبك شعور غامض بأنك كنت تستحق أفضل، وأن هناك من "سبقك" إلى ما كنت تريده. لكن مهلاً… ماذا لو لم يكن ما حدث "تنازلاً"، بل كان تدبيرًا؟ وماذا لو كان هذا
رفقةٌ لا تُشبه الرفق
في تلك المرحلة المبكّرة من العمر، حيث لم نكن نعرف بعد كيف نختار من يستحق القرب ومن لا يستحق، كنت أظن أن الصداقة تعني القبول، والضحك، والكتف الذي لا يخذل حين نميل. كنت أظن أنني إن أحببتهم بصدق، سيبادلونني المحبة، وإن ضحكت لفرحهم، سيبتسمون لألمي، وإن أخطأت، سيمنحونني مساحة للشرح، لا ساحةً للهجوم. لكن الحقيقة لم تكن كما ظننت. كانوا دائمًا هناك، ليس لاحتوائي، بل ليكونوا أعلى. ينتظرون زلّتي، لا ليُقوّموني، بل ليُشعروا أنفسهم بالتميّز. يسخرون من موقفي، من رأيي،
حنين لا يهدأ
ليس الحنينُ مجرّدَ ذكرى عابرةٍ تمرُّ في الخاطر، بل هو إقامةٌ طويلةٌ في زاويةٍ من القلب لا تغادرها الحياة. الحنينُ ليس ضعفًا، بل دليلُ حياةٍ أخرى عشناها، ولم نُفلح في وداعها كما ينبغي. هو صوتُ ضحكةٍ قديمة، ورائحةُ مكانٍ ما عاد كما كان، ولونُ سماءٍ رأيناها يومًا بعيونٍ أبسط، وقلبٍ أكثر صدقًا. قد نكبر، تتبدّل ملامحنا، نُتقن الصمت أكثر، ونتظاهر بالقوة، لكنّ شيئًا صغيرًا… أغنية، مشهد، أو حتى اسم عابر، كفيل بأن يعيدنا في لحظةٍ إلى كلّ ما كنا نحاول
أولئك الذين يعيشون بين الصفحات
ليست الروايات مجرد كلماتٍ مرصوصة في صفحات… إنها أرواحٌ تعيش بين السطور، تنبض حين نقرأ، وتتحدث إلينا بلغتها الخاصة. من يقرأ، لا يعيش حياة واحدة، بل آلاف الحيوات. في كل روايةٍ، هناك أبوابٌ مفتوحة على مدنٍ لم نزرها، وقلوبٍ لم نعرفها، وأفكارٍ لم تخطر يومًا في بالنا. الروايات ليست هروبًا من الواقع، كما يظن البعض، بل هي عودة إليه بطريقةٍ أعمق. هي مرآة نُطل بها على أنفسنا، فنفهم ما لم نكن نُدركه، ونشعر بما لم نملك الجرأة على الشعور به
بين من ينتظر الحياة… ومن يركض خلفها
كنت أظنّ أن الحياة تسير بإيقاعٍ واحد، حتى دخلتُ المستشفى لأول مرة لا كمرافقة، بل كإنسانة تحتاج الرعاية. في الخارج، كل شيء يركض: الناس، الساعات، الأيام. الكل مشغول، الكل يهرول نحو شيء لا يعرفه. الابتسامات سريعة، والاهتمام مشروط، وكأن الشعور صار ترفًا لا وقت له. أما في الداخل، فثمة عالمٌ آخر. في المستشفى، الزمن لا يركض… بل يتمهّل. هناك، الوجوه تبوح قبل الكلمات. لا أحد يسأل عن وظيفتك أو نجاحك، بل يُسأل: "هل تنفّستَ اليوم جيدًا؟" القلوب تتلاقى على صعيد
لماذا نرتبط بالشخصيات الخيالية؟
هل سألتَ نفسك يومًا: لماذا تتأثّر بغياب شخصية في مسلسل، أكثر من غياب بعض الأشخاص الحقيقيين في حياتك؟ لماذا يوجعك موت بطل خيالي، وتدمع عيناك حين يخذله العالم، مع أنك تدرك تمامًا أنه ليس حقيقيًّا؟ الجواب ليس في القصة، بل فيك أنت نحن لا نرتبط بالشخصيات الخيالية لأنها كاملة بل لأنها تُشبه أكثر نسخنا صدقًا وضعفًا وحنينًا لأنها تقول ما نخجل من قوله، وتبكي عندما يُطلب منا أن نتماسك، وتفشل ثم تنهض، تمامًا كما نرغب نحن في كل شخصية نحبّها،
"الله يعلم… وأنا ڪُنت أظُـن"
كانت تحلم كغيرها، بأن تُنادى باسمها وسط التصفيق، أن يُقال عنها “من الأوائل” أن تفتخر بها أمّها، وتبكي من الفرحة، لا من الخذلان. لكن الحياة، كعادتها، لا تسير على الورق كما نتخيل. انتهت الثانوية العامة، وجاء المجموع مخيبًا للآمال، لا يُشبه السهر، ولا الدموع التي بلّلت الكتب، ولا الصلوات التي رُفعت في آخر الليل. سمعت كلمات المواساة كثيرًا، لكنها كانت تؤلمها أكثر من الفشل نفسه. تساءلت: أين ذهب دعائي؟ أليس الله أقرب من حبل الوريد؟ فلماذا لم يستجب؟ ومرت الأيام…
✍️ "وما جبرَ القلوبَ إلا الله"
لم تكن تعلم متى بدأت تنهار، لكنها كانت تُدرك تمامًا أنها تعبت تعبت من الصبر الطويل، ومن الكلمات التي تُقال مرارًا دون أن تُشفي، ومن الليالي التي تسهرها بينما الجميع نائم، تُحدّق في السقف وتُراجع كل شيء: خطاياها، خساراتها، وكم مرة سقطت ولم يُمدَّ لها أحد يدًا كانت تُصلي... لا كثيرًا، لكن بما تبقّى من قلبها. تهمس كل ليلة: "يا رب، أنا مش قادرة تاني... بس إنت تقدر." ثم تنام، لا تنتظر معجزة، لكنها تحاول أن تُسكت الألم بالدعاء. وفي