في تلك المرحلة المبكّرة من العمر، حيث لم نكن نعرف بعد كيف نختار من يستحق القرب ومن لا يستحق، كنت أظن أن الصداقة تعني القبول، والضحك، والكتف الذي لا يخذل حين نميل.

كنت أظن أنني إن أحببتهم بصدق، سيبادلونني المحبة، وإن ضحكت لفرحهم، سيبتسمون لألمي، وإن أخطأت، سيمنحونني مساحة للشرح، لا ساحةً للهجوم.

لكن الحقيقة لم تكن كما ظننت.

كانوا دائمًا هناك، ليس لاحتوائي، بل ليكونوا أعلى.

ينتظرون زلّتي، لا ليُقوّموني، بل ليُشعروا أنفسهم بالتميّز.

يسخرون من موقفي، من رأيي، من ردة فعلي، ثم يدّعون أنهم "يمزحون".

وحين أحاول أن أوضح أو أدافع عن نفسي، يُقاطعونني، يرفعون أصواتهم، يسبقونني إلى الأحكام، وكأن الحقّ لا مكان له إن خرج من فمي.

كنت أبتلع صمتي، لا ضعفًا، بل احترامًا.

أنتظر أن ينضجوا، أن يفهموا، أن يُدركوا أنّ الصداقة ليست ساحة تنافس، ولا حلبة تهكم.

لكنهم لم يفعلوا.

واليوم، بعد أن مضيت في طريقي، عرفت أن الصداقة لا تُقاس بعدد السنوات، ولا بتراكم الذكريات، بل تُقاس بما تشعره حين تكون معهم…

هل تُشبه نفسك؟

هل يُشعرك وجودهم بالأمان؟

أم أن حضورهم عبءٌ على قلبك، حتى وأنت تبتسم؟

إن كنت تُضطر للتبرير كثيرًا، وتُخفي مشاعرك كي لا تُهاجَم، وتبتلع الكلمات كي لا تُسخر، فاعلم أن هذا ليس صديقك…

هذا شخص اختارك ليمتص نورك، لا ليحتفل به