المرض ابتلاءٌ قاسٍ يصيب الإنسان، فيحرمه من نعمةٍ كان غارقًا فيها دون أن يلحظها، وعلى الرغم من أن كثيرًا من الناس يرون المرض عقابًا، إلا أن فيه حكمةً عظيمة ودرسًا خاصًا للمريض، يخص تلك النعمة التي حُرم منها.

وسأحكي لكم تجربتي مع المرض التي فهمتُ من خلالها سر صبري وقدرتي على التحمل، فلم تكن هذه الصفة هبةً من الله فحسب، بل دربني الله عليها من خلال المرض، وإليكم كيف كان ذلك:

أعاني من مشكلات في المعدة لا يجد لها الأطباء سببًا واضحًا ولا علاجًا شافيًا، سوى بعض أدوية الحموضة ومضادات اضطرابات المعدة والقولون، وعندما تصيبني نوبة هذا المرض، تبدأ بصداع خفيف في منتصف جبهتي، يمتد إلى العينين وفروة الرأس، مصحوبًا بألم يشبه النبضات المتسارعة المستمرة التي تخف حدتها وتزيد مع الوقت.

المشكلة في هذا الألم أنه لا يمكن تسكينه بأي نوع من المسكنات، لأن المسكن سيزيد من مشكلة المعدة، والمعدة هي أصل هذا الداء، فإرهاق المعدة سيزيد الألم، والحل الوحيد هو تناول أدوية المعدة، والصبر على هذا الألم حتى ينتهي ببطء شديد، على ثلاث مراحل، الأولى صداع كامل يصل إلى القيء، ثم صداع أخف في منتصف الجبهة، ثم ألم شديد في العين اليمنى، حتى يزول كل ذلك، ولا يمكنك النوم قبل انتهاء المرحلة الأولى، وبعدها ستنام بصعوبة وتستيقظ بين كل مرحلة وأخرى.

ولا يمكن تجنب هذا المرض إلا بالانتباه إلى جودة الطعام، وعدم بذل مجهود كبير دون طعام، وعدم الامتناع عن الطعام لفترة طويلة، وبما أنه لا يوجد علاج نهائي، فقد يفاجئني في أي لحظة، ولهذا يجب عليّ دائمًا متابعة حالة معدتي باستمرار.

هذه هي أعراض مرضي بالكامل، أما الدرس الذي تعلمته منه، ودربني الله عليه من خلاله، فهو الصبر وطول النفس، فهذا المرض لا يمكن تخفيف آلامه بأي شكل، مما يجبرني على تحمله منذ بداية مواجهتي له حتى ينتهي ببطء مؤلم في حد ذاته، لذلك، كان لا بد أن أتعلم كيف أتقبل وجود هذا الألم لبعض الوقت، وأتكيف مع وجوده وأشغل عقلي عنه، وكانت هذه بالذات نصيحة من أحد أقاربي الذي كان يعاني من صداع نصفي متصل لا يتوقف، فقرر أن يشغل عقله عنه، حتى أنه قال لي إنه كثيرًا ما لا يشعر بذلك الصداع طالما يشغل نفسه بأمور أخرى.

وهنا بدأت أتدرب على هذا الدرس والمهارة التي لم يعد يتقنها الكثير من الناس: التأقلم مع الألم وتجنبه، وشغل النفس عنه، وأعلم أن البعض سيقول إنني يجب أن أبحث عن علاج بدلاً من ذلك، لكنني لم أبحث عن طبيب واحد فحسب، بل زرت كل طبيب يمكن زيارته، ولم أجد حلاً سوى التأقلم مع هذا الداء العجيب، 

كما درس التعايش مع الألم لم يكن حديث العهد معي حينها، فقد كنت أتعلمه في تدريبات الفنون القتالية، حين كنا نركل بأقدامنا العارية إطارات عجلات السيارات الخشنة، وعندما كنت أركلها بشيء من الرفق خوفًا على قدمي، كان المدرب ينهرني ويقول لي: "تعايش مع ألمك ولا تهرب منه"، هذه العبارة كنت أتذكرها حين يصيبني هذا الصداع الأليم، فأبدأ في شغل نفسي عنه بعمل أي شيء لا يتطلب تركيزًا عقليًا، مثل مشاهدة بعض المحتوى أو الاستماع إلى البودكاست أو غيرها من الأنشطة.

فالأمر كله يتعلق بالتركيز على التفاصيل الجميلة الصغيرة التي تغيب عنا في أيامنا العادية، وشغل العقل بها بدلاً من التركيز على الألم، ومن هنا بدأت أعود نفسي التعايش مع أي ألم جديد أو مرحلة صعبة في حياتي، وكان مرضي هو مدربي الذي علمني الله من خلاله كيف أعيش.