الثقة هي أرقى ما يمنحه الإنسان لغيره.

ليست كلمة تُقال، بل مساحة نفتح فيها أبواب قلوبنا دون حواجز، ونُسكن الآخرين تفاصيلنا وأسرارنا وأماننا الداخلي. ومع ذلك، كثيرًا ما نكتشف أن بعض من منحناهم هذه المساحة لم يكونوا أهلًا لها. فنقف أمام السؤال المؤلم: لماذا نمنح ثقتنا لمن لا يستحقّونها؟

أول الأسباب يعود إلى طبيعة الإنسان ذاتها؛ فنحن مخلوقات تميل إلى الخير بطبعها، وتحبّ أن تُصدّق أن الآخرين طيبون مثلها. نمنح الثقة على أمل أن تُقابل بالصدق والوفاء، ونُحسن الظنّ لأننا لا نعرف كيف نحيا بقلوب متحفّظة طوال الوقت.

وثانيها أنّ بعض الناس يُجيدون ارتداء الأقنعة. يظهرون بصورة المثاليين: لطف زائد، اهتمام مُبالغ فيه، ووعود لا تنتهي. فيظنّ المرء أن أمامه صديقًا حقيقيًا، بينما ما يراه ليس إلا واجهة تخفي ما هو أبعد. ومع مرور الوقت، تتكشف الحقيقة صادمة: لم تكن الثقة في محلّها، ولم تكن القلوب التي فتحنا لها أبوابنا تستحقّ حتى الوقوف على العتبة.

وثالث الأسباب هو حاجتنا الإنسانية إلى السند. في لحظات الضعف، نبحث عن من يسمعنا، من يطمئننا، من نشعر معه بأننا لسنا وحدنا. وهذه الحاجة تجعلنا أحيانًا نستعجل منح الثقة دون اختبار حقيقي، ودون أن نسأل أنفسنا: هل هذا الشخص أهلٌ للأمان؟

لكن الخذلان، رغم قسوته، لا يأتي بلا درس. فهو يُعلّمنا أن الثقة ليست واجبًا على القلب أن يمنحه لكل عابر، وأن الطيبة لا تعني السذاجة، وأن الانتقاء ليس قسوة بل حماية.

في النهاية، لا يجب أن يتحوّل خذلان البعض إلى باب يُغلق في وجه العالم. كل ما في الأمر أننا نتعلّم أن نمنح الثقة بقدر، وأن نضعها في موضعها الصحيح، وأن نُدرك أنّ القلوب النقية لا تخطئ حين تحب… بل حين تُفرّط في الأمان لمن لا يعرف قيمته.