في نقاش مع صديقي الملحد، وصلنا إلى نقطة خلافية مهمة عن المصير البشري، قال أن العالم بما فيه الإنسان آيل إلى العدم، إلى هذه النقطة لم يقل أي جديد يذكر، لأن البشر يعتقدون أن المصير هو إما الخلود في النعيم أو الشقاء أو العدم التام أم انهم سيعودون من جديد في دورة حياة ثانية على الأرض مثل عقيدة الاستنساخ.
أردت أن أختبر مدى عمق معارف صديقي، فقلت: طيب ماهو العدم ، أجاب بكل ثقة : العدم هو الفراغ ببساطة !
قلت: أيوه، فراغ شو وأين وكيف؟
قال : فقال بكل ارتياح: فراغ… لا شيء، انطفاء كامل، ظلام كامل، سكون وبرد تام!
هنا عرفت أن صديقي لا يعرف ماهو العدم كغيره من الكثيرين الذين يتحدون عنه.
قلت بلطف : أنت الآن لم تفسّر العدم… بل أعدت تعريف الوجود بشكل معكوس لا غير، وضعت السكون مكان الحركة، البرد مكان الدف، الظلام مكان النور ، واللاشيء مقابل الشيء..... هذا كل ما فعلته، لأن الفراغ الذي تتحدث عنه مكان، والمكان جزء من الكون، والكون ليس عدمًا، وحتى كلمة انطفاء تفترض وجود شيء كان يعمل ثم توقف، إذن أنت لا تصف العدم، بل تصف حالة فيزيائية داخل الوجود نفسه.
سألته: هل يمكنك أن تتصوّر شيئًا لا يحتوي على زمن، ولا مكان، ولا طاقة، ولا قوانين، ولا إمكانية للتصوّر أصلًا؟
سكت، ثم قال : طبعا لا، لكن اكيد العدم فيه اللاشيء.
قلت: هل تعرف لماذا؟ ببساطة لأن العدم الحقيقي، كما يقول روي سورنسن Roy Sorensen في كتابه " العدم"، ليس فراغًا ولا سكونًا، بل حدّ معرفي لا يستطيع العقل تخطيه أو تخيله، كل محاولة لتخيّله تنقلك تلقائيًا إلى شيء قابل للتخيل… أي شيء، وهذا وحده ينقض مفهوم العدم.
قلت له: اذا تتفقنا على هذا التعريف، هل يوجد عدم أصلا؟ هل كلمة العدم نفسها تحمل أي معنى حقيقي… أم أننا نستعملها بلا وعي؟
والآن… برأيك أنت: ما هو “العدم” فعلًا؟ كيف تتخيل العدم؟
التعليقات