يقول روبرت بروكتور في كتابه "صناعة الجهل وتفكيكه": "الجهل ليس نتيجة نقص المعرفة فحسب، بل هو موجّه تم تصميمه لإدامة حالة من عدم الوعي." فهو يناقش في هذا الكتاب بشكل مباشر ومدروس تأثير صناعة الجهل على الوعي المجتمعي، ولماذا يُصنع الجهل وكيف. خلال العصور القديمة كانت تتسرب الدعاية (البروباغاندا) للشعوب عن طريق الأساطير والحكايات الشعبية، لتشكّل وعيًا محددًا للمجتمع، وتوجّهه بطريقة غير مباشرة، وتساهم في تكوين أفكاره. في عصرنا، لم يختلف الأمر كثيرًا، بل وفرت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام مساحات أوسع وأسهل لممارسة صناعة الجهل، فأصبحت صناعة رائجة، ومدفوعة لتحقيق أهداف دعائية وسياسية.
فالجهل لا يقتصر على نقص المعلومات، أو فقدان المعلومة الحقيقية، بل يمثل أيضًا تصديق المعلومة المضللة والترويج لها، فنحن أمام جهل أشد خطورة، لأنه جهل مقنّع، يتطلب فكرًا نقديًا ليُجابه ويقف عند حد. للأسف، دائمًا ما تجد الدعاية المموّلة طريقها إلى الشعوب حتى تصبح حقيقة غير قابلة للطعن، وهذا يشير إلى مشكلة أخرى، وهي أن الواعي الذي يستطيع تفنيد تلك الدعايات غالبًا ما يُفضّل الاحتفاظ بها لنفسه، ولا يقوم بدوره تجاه المجتمع، والمُلام هنا ليس هو وحده، بل أيضًا الشعوب التي تُفضّل الخضوع للسردية المنتشرة، وترفض كل من يحاول الخروج عن الفهم العام وتتهمه بأشد الاتهامات.
وهنا سؤالي لكم، كيف يمكن مجابهة هذا الأمر، وما الذي يجب علينا فعله تجاه هذه الصناعة الرائجة؟
التعليقات