يقول رولف دوبلي في كتابه "فن التفكير الواضح": "إن العقل الجمعي قادر على شلّ ثقافات بأكملها." إن التفكير الجمعي ظاهرة متأصلة في التجربة الإنسانية. فالجموع غالبًا لا تفكّر، بل تتبنى تلقائيًا السلوك نفسه الذي اتبعته مجموعة من الأشخاص، سواء كانوا من سبقوهم أو من يسيطرون على قطاعات واسعة. فكم مرة وجدت نفسك تمارس سلوكًا أو تتخذ موقفًا فقط لأن الجميع يفعل نفس الشيء تمامًا؟ أو أنك أحجمت عن قول رأيك لأن الجموع لم تتفق معه، حتى بدأت تتخلى تدريجيًا عن موقفك الشخصي؟

إن ظاهرة التفكير الجمعي هي بالفعل معضلة حقيقية أمام التغيير والمضي قدمًا؛ فهي ترسخ لفكرة اللا-تفكير، والتكرار بعفوية وتلقائية دون اكتراث أو انتباه. للأسف، يتم استغلال هذه الفكرة من قِبل أصحاب المنابر الإعلامية والخطابية؛ فيقومون بتشويه مجموعات كاملة من البشر، ويربطون مظهرهم أو عقيدتهم أو عرقهم بسلوكيات ضالة أو أفكار منحرفة. ومع مرور الوقت، تترسخ هذه الصورة في الوعي الجمعي، مما يؤدي إلى استغلال سلبي لأصحاب هذه المظلمة، وتعرضهم للتشويه والنبذ في المجتمعات المختلفة. وهذه معضلة أخلاقية وإصلاحية حقيقية تستدعي المراجعة.

فكم مرة اتخذت حكمًا مسبقًا عن شخص لهيئته أو خلفيته أو لهجته؟ وكم مرة كررت سلوكًا ما بعفوية دون اكتراث أو تفكير؟ إنها عواقب التفكير الجمعي، عواقب اللا-تفكير.