السلام عليكم، ورحمة الله تعالى و بركاته.
معكم د،خالد. ماجستير في السوسيولسانيات، أستاذ اللغة العربية، باحث أكاديمي في مجال علم النفس التربوي، مدقق لغوي، لدي تجربة متواضعة، تقدر بعشر سنوات.
يمكنم طرح أي سؤال، مرتبط بجانبي المهني و سأجيبكم إن شاء الله
ما المقصود بالسوسيولسانيات؟
كأم كيف يمكنني مراعاة الاختلافات الفردية بين أولادي خلال عمليتهم التعليمية؟
ما المقصود بالسوسيولسانيات؟
علم السوسيولسانيات فرع من فروعِ علمِ اللغةِ التطبيقيِّ، يُعنى بدراسة اللغة في علاقتها بالمجتمع؛ لأنَّهُ ينظمُ كلَّ جوانبِ بنيةِ اللغةِ، وطرائقَ استعمالها التي ترتبط بوظائفها الاجتماعية والثقافية، وليس المقصودُ بهذا العلمِ أنَّهُ تركيبة أو توليفة من علمي: (اللغة والاجتماع)، أو تجمع لقضاياهما ومسائلهما
كأم كيف يمكنني مراعاة الاختلافات الفردية بين أولادي خلال عمليتهم التعليمية؟
الأمومة غريزة قادرة على إدراك الفروق بين الأبناء، كما أنها أدوار اجتماعيّة معقّدة تترافق بمتَع وتحدّيات كأيّ دور اجتماعيّ نقوم به. ولعلّ الجهد الأكبر هو إدراك مدى تداخل العوامل المؤثّرة على الأطفال في التعلم و التربية. يجب أن تدرك الأم و تتقبل أن أفراد النوع الواحد يختلفون في قدراتهم على التعلم وحل المشكلات، كما يختلفون في انفعالاتهم (كالخوف والعدوان)، ومستويات النشاط العام، ودوافع سلوكهم (كالجوع والعطش والجنس وحب الاستطلاع). وظاهرة تفرد الإنسان؛ من حيث الجنس والعمر واللون ودرجة النضج والتكوين الجسمي والتكوين العقلي، ظاهرة لا تحتاج إلى برهان، حتى إن هذه الفروق موجودة بين الأطفال الذين ينشؤون في بيئة أسرية واحدة، حيث تتمايز مواهبهم و عقلياتهم وعاداتهم مع النمو في مراحل العمر المختلفة.
مرحبا د خالد،
كأخ أكبر مسؤول عن تعليم إخوته الصغار، كيف يمكنني التعامل مع الضغوط النفسية والقلق لديهم للحفاظ على صحتهم النفسية أثناء التعليم؟ وما هي التأثيرات النفسية للتعلم الإلكتروني على أطفال المراحل الابتدائية؟
الصحة النفسية هي حالة من الرفاه النفسي تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه المحلي. وهي جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه. والصحة النفسية للطفل أثناء التعبم هي حق أساسي من حقوقه . وهي حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية التربوية.يجب تشجيع أخوتك الصغار على· ممارسة الرياضة، و تقسيم العمل المدرسي على دفعات قصيرة، مع توجيههم نحو التأمل والتركيز الكامل للذهن ·و الأكل الصحي و تجنب الإلهاء و الهواتف أو الوسائل الرقمية لفترة طويلة. لأن مما يمكن أن تسببه الأدوات الرقمية والتكنولوجيات الحديثة على المستوى النفسي ليس بالشيء السهل منها مثلا: التقوقع على الذات أو التقوقع المنزلي الذي يجعل الطفل يقبع في المنزل بشكل دائم، مما قد يؤدي إلى مرض التوحد (autism) الذي يعتبر من أكثر المشاكل النفسية المعاصرة لأطفال الميديا، كما يمكن أن تسبب الميديا الإقصاء الذاتي (self-exclusion) للفرد عن المجتمع.
مرحبا دكتور خالد، أرى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على إحداث ثورة في التعليم، ليس فقط من خلال تخصيص المحتوى التعليمي ليتناسب مع احتياجات كل طالب، بل أيضا من خلال تقديم الدعم اللغوي وتفسير البيانات التعليمية بشكل يتماشى مع القدرات الإدراكية للطلاب، وأيضا الفهم العميق لكيفية تفاعل الطلاب مع المواد التعليمية يمكن أن يساعد في تطوير أدوات وبرمجيات تعليمية أكثر فاعلية، فمن خلال واقع تجربتك في السوسيولسانيات، كيف ترى العلاقة بين اللغة والتكنولوجيا في تسهيل التعليم وتطوير القدرات الذهنية لدى الطلاب؟
علميا أخي شهاب، تؤكد كل الدراسات اللسانية والسوسيولسانية على صعيد البحث اللغوي الصرف، أن اللغة العربية بجانب موقعها التاريخي والجغرافي، لها مواصفات لغوية متميزة، وتحتل بذلك حيزاً هاماً في المنظومة اللغوية الكونية، مما أهلها للإسهام بأدوار حضارية عبر التاريخ. يمكن القول في ضوء الدراسات اللغوية السوسيولوجية والنفسية إن الثنائية أو الازدواجية اللغوية من شأنها تقوية مدارك الأفراد، وجعلهم متفتحين على مختلف الأنظمة اللغوية، قد تحدث اضطرابات لغوية، لكنها عابرة، كما أن أشكالاً من الاضطرابات اللغوية قد تحدث حتى عند الأطفال الوحيدي اللغة. يعد هذا المعطى من بين الطرق العملية لجعل اللغة تدخل في صلب التدبير البيداغوجي للمنظومة التربوية، باعتباره سبيلاً من السبل للاندماج في المعارف العصرية، بما فيها ثقافة المعلومات، ووسائل الاتصال والإعلام؛ وتحقيق هذا الهدف يتطلب تعدداً لغوياً في المدرسة العربية عامة أو المغربية _ التي أنتمي إليها _ بشكل خاص، إذ يصعب الاندماج في اقتصاد المعرفة من دون تعددية لغوية، على ألا تقف هذه التعددية عند الأنجليزية أو الفرنسية، مما يدعو حسب منطق العصر تعلم لغات أجنبية متعددة، حسب شيوعها، ومكانتها العلمية والأدبية، وتوجيه عينة من الطلاب للتخصص فيها.
هنا لا بد من الإشارة - كما تفضلت أخي شهاب - إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على إحداث ثورة كبيرة في مجال التعليم، وذلك راجع إلى التطورات التكنولوجية التي ألغت الفوارق بين اللغات وحروف كتابتها، وأصبح التعاطي معها على قدم المساواة، لا فرق بين لغة تكتب بحروف لاتينية أو بحروف مغايرة، كيفما كانت أشكالها، إذ منذ اعتماد لغة الترميز الموسعة معياراً أساسياً، وقائم الذات ولكونه من البرمجيات والأجهزة المستقلة لنقل البيانات وتخزينها على صفحات الشابكة (الأنترنيت)، هذا بالإضافة إلى اعتماد الشفرة الموحدة للحروف اليونيكود، وهي مجموعة من محارف قاعدية تحتوي على جميع حروف لغات العالم، وبهذا أضحت برمجيات وأدوات التطوير للشابكة العنكبوتية أكثر ملاءمة للنطاق الدولي، واستخدام اللغات المختلفة، كيفما كانت طبيعتها، أكانت تكتب من اليمين أم اليسار أم العكس، ولم تعد بحاجة إلى إنشاء برمجية أساسية لها.
شكرا لمبادرتك،
وفقا لخبرتك كمدرس وبحثك في علم النفس التربوي، ما هي أهم العوامل التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار لإنجاح العملية التعليمية؟
وإن كنت بمصر، ما رأيك بإلغاء مواد مثل علم النفس والجيولوجيا من مناهج الثانوية العامة؟
ترتكز العمليّة التعلميّة التعلّيميّة آنسة نورا، على ثلاث عوامل أساسية وهي: أولها النضج ( جسمي، عقلي)، ثانيها ما يسمى بدافعية للتعلّم. أما الركيزة الأخيرة فهي المهمة التعليمية. و أي خلل في هذه العوامل الثلاث يؤدي إلى فشل العملية التعليميّة برمتها، فهي مرتكزات أساسية يجب أن تسير بتوازن فيما بينها وفي نفس الاتجاه والسرعة، وألا يطغى جانب على الجانب آخر. كما أنّ المعلم من أهم العوامل التي تُساهم في إنجاح العملية التعليمية، فهو الذي يُعين الطالب على التعليم، لذلك فإنّ أدواره عديدة ومتداخلة تتغير بتغير الظروف ومتطلبات المجتمع الدراسي، كما أنه اللبنة الأساسية في المدرسة، والقدوة الحسنة لطلبته.
أما فيما يخص السؤال الثاني، فشخصيا لست مستقرا بمصر ، و لكن حسب - رأيي الخاص - تغيير المواد و المناهج بشكل عام يجب أن يتوافق مع التطورات الجديدة، داخل المجتمع. لا ضرر في اعتماد مواد التسويق والتنمية البشرية والموارد البشرية وعلوم الاتصال والاختصاصات المهمة جدا في سوق العمل ، كونها ستقدم إضافة نوعية للمجتمع المصري و الطالب أيضا. مع مراعاة أن المبادئ والأفكار التي تحكم حياتنا وحياة غيرنا ليست مبادئ هندسية أو كيميائية أو بيولوجية، وإنما أيديولوجيات ورؤى ومعتقدات وقِيم أخلاقية بعضها فلسفي وبعضها ديني؛ ما يعني أنه لا بد للعلم أن يهتدي بمرجعية أخلاقية قائمة على الآداب والعلوم الإنسانية، لتجنب الأمراض الاجتماعية.
ثانيها ما يسمى بدافعية للتعلّم.
هذه نقطة مهمة فعلا وصعبة، كيف نخلق هذه الدافعية خاصة عند الأطفال الصغار الذين يتأففون دوما من ضغط الدراسة؟
يرفض الكثير من الأطفال ممارسة نشاط التعلم، سواء في المدرسة أو في البيت. والسبب في كثير من الأحيان يعود لانخفاض دافع للتعلم، فالدافعية هي: الحافز أو المحرك لقيام الشخص بسلوكٍ ما، والدافع هو: إحساس أو سلوك يجعل الإنسان يتخذ قراراته، فهو الذي يحدد أهداف سلوك الإنسان، فلا سلوك دون دافع، فالإنسان يأكل الطعام؛ كي يحصل على الطاقة؛ ليمارس أنشطة حياته، ويتناول الدواء على الرغم من طعمة المُر؛ أملًا في الشفاء.
تتداخل الدافعية مع عوامل عديدة، كاهتمامات الطفل وقدراته و مهاراته، ووجود صعوبات تعلم أو نشاط زائد وتشتت انتباه لديه، بالإضافة إلى العديد من العوامل البيئية، مثل: جودة التعليم المدرسي، والنماذج التي تحيط به، والخبرات التي يمر بها. وللتعامل مع انخفاض الدافعية، يجب التعامل مع هذه المشكلة ضمن مستويين، المستوى الأول: يتعامل مع الأعراض الظاهرة، ويقدم حلولًا قد تعتبر إلى حدٍّ ما حلولًا سريعة قصيرة الأمد، والمستوى الثاني: يجب التعامل مع الحالة بشكل عميق يدرس الأسباب بشكل دقيق ومفصل من الناحية (الطبية والاجتماعية والتعليمية)، هذا الحل طويل الأمد، لكن أثر نتائجه أقوى ومستمرة بشكل أطول. وعند الحديث عن الدافع، لا بدّ من ربطه بسلوك؛ كي يسهل قياسه والتحكم به، فيمكن القول عند الحديث عن انخفاض دافعية الطالب للتعلم: (إن تحصيله في مهارة القراءة في انخفاض)، (ونسبة غيابه عن المدرسة في ازدياد)، (وعدد الأسئلة التي يتركها دون حلّ في الاختبارات عديدة “50%”)..
وعليكم السلام، ورحمة الله وبركاته،
سعداء لرؤية هذه المشاركة من حضرتك د. خالد،
سؤالي لكم عن موضوع طالما شغل بالي، وبما أن الفرصة أتيحت لي لسؤال مختص فاسمح لي بطرحه:
هل ترى مشكلة في دمج اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أثناء التحدث باللغة العربية بواسطة أشخاص لغتهم الأم هي العربية؟
وإذا كانت هذه مشكلة فما الذى أدى إلى تشكلها برأيك؟
بداية آنسة رغدة يجب أن نؤكد على أن هذه الظاهرة قديمة لكنها ليست كما هي عليه الآن، إذ كانت تستخدم فيما يسمى التناوب اللغوي عند الشخص الذي يتحدث لغتين. بيد أنه و في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم وانتشار المصطلحات المستحدثة أصبحت هذه الظاهرة شائعة، وتستخدم بشكل كثيف من الجميع لعدة أسباب، منها الارتقاء لمرتبة معينة من اللغات والتمييز المجتمعي والطبقي. كما أن كثافة استخدام اللغات الأخرى لها تأثيراتها وأسبابها، إذ جاءت بعد فترات الانتداب، ولا سيما الفرنسي و الانجليزي الذي يمكن وصفه بأنه استعمار ثقافي ومحاولة لتغيير المجتمعات بدءًا باللغة التي تعد هوية الفرد. و الغريب أن المجتمعات تعيش الآن في مرحلة "التمظهر" الذي يسعى من خلالها الفرد تسليط الضوء عليه، بأنه يتحدث أكثر من لغة ولديه العديد من المفردات. علاوة على ان لجوء الوسط الإعلامي إلى استخدام اللغات الأجنبية هو لإبراز صورة المذيع للمشاهد بأنه يتقن عدة لغات، مما له تأثير سلبي على المحتوى وتركيز الصورة فقط على المذيع. دون أن نغفل مشكلة التركيبة السكانية في الدول العربية، و التي أسهمت في توسع مشكلة تراجع العربية، لأن المواطنين باتوا أقلية مع غلبة اللغات الأجنبية و الفرنسية، حيث باتت الإنجليزية لغة التجارة والاقتصاد والحياة اليومية، على الرغم من القرارات الحكومية التي حاولت حماية العربية، وجعلها لغة تخاطب، فإن كثيراً من المنشآت أهملت ذلك. من لا يملك معرفة بالإنجليزية، قد يواجه صعوبة في قضاء احتياجاته اليومية، في ظل الوضع الحالي، فكل ما حولنا ينطق بالإنجليزية، فضلاً عن أن كثيراً من الأسر التي نشأت من جيل الثمانينات والتسعينات الذين درسوا الإنجليزية، يشجعون أبناءهم على التحدث بالإنجليزية، وهنا تكمن الخطورة، خاصة في ظل تحديات تتعلق بالهوية الوطنية والثقافة، خاصة في ظل وجود الخادمات -في بعض الدول العربية و خاصة بلدان الخليج- مكوناً رئيسياً في المنزل، والشعور بالتفاخر والتمدن الذي يعيشه بعضهم، عند مخاطبة الأطفال والخدم بالإنجليزية و الفرنسية، وإهمال العربية تماماً.
مرحباً دكتور خالد، لقد سمعت محاضرة لمهندس أيمن عبدالرحيم يتحدث عن أن مع التطور التكنولوجي سيقلل العديد من الوظائف وهذا مايحدث حالياً بفضل الذكاء الإصطناعي، ولكنه ذكر أيضاً أنه على الرغم من ذلك فوظائف اللغات وكل ماله علاقة باللغات وأهمهم اللغة العربية بالنسبة لنا، ستظل لها أهمية وأولوية مثل تعليم الذكاء الإصطناعي اللغة مثلاً، فهل ترى فرص فى اللغة العربية إستُحدثت مع مرور الوقت وثورة الذكاء الإصطناعي مما له علاقة بتخصصك مثلاً؟!
سؤالك مهم جدا أستاذ "شعبان"، و لكن ما رأيك لو طرحناه على الذكاء الاصطناعي أولا؟
حين سئل الذكاء الاصطناعي هذا السؤال أجاب بأن التعامل مع اللغة العربية في مجال الذكاء الاصطناعي أصعب من التعامل مع اللغات الأخرى، ويمثل تحديات خاصة بسبب التعقيد اللغوي في سياقات النحو والصرف والدلالة، لذلك يصعب بناء نماذج خاصة بها اعتمادا على الذكاء الاصطناعي. كما أن وجود جذور وأوزان وتفاعيل يزيد من تعقيد المعالجة اللغوية وتحليل الجمل العربية، ناهيك من التعددية اللغوية في اللهجات والاختلافات بين البلاد العربية، بل بين المدن في البلد نفسه مما يجعل تطوير النماذج اللغوية أكثر صعوبة وتعقيدا. وكذلك بسبب البيانات المحدودة، فعلى الرغم من سعة انتشار اللغة العربية في العالم، فإن البيانات المتاحة للتدريب والتعلم في مجال الذكاء الاصطناعي محدودة قياسا باللغات الأخرى مثل الإنجليزية، كما أن النصوص العربية المكتوبة بخط اليد تعد تحديات إضافية، وتحتاج إلى تقنيات متطورة لمعالجتها معالجة دقيقة وصحيحة.
أرأيت صديقي "مصطفى"، يبدوا أن العربية أصعب بكثير مما نتصور. و قد أقر بذلك الذكاء الاصطناعي بنفسه.
يبدوا يا صديقي أن هناك تطورا مستمرا في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته على اللغة العربية، وهناك عمل مستمر وسعي دؤوب لتحسين النماذج والأدوات لتحقيق تطبيقات أكثر دقة وفاعلية في هذا المجال. لا يمكن أن تكون العربية تعليما وتعلما بمعزل عن ثورة الذكاء الاصطناعي الطاغية، ويمكن تحويل ما يراه كثيرون من تهديدات ومخاوف إلى فرص في تيسير تعليم العربية، وتيسير تصويب القراءة والنصوص للعرب التواقين إلى تحسين ألسنتهم وألسنة أبنائهم بالعربية، ولغير الناطقين بها ممن يتوقون إلى تعلمها ليكونوا قادرين على التعامل مع كتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا، أو التعامل مع النصوص العربية الشعرية والنثرية تذوقا ودراسة. قدرنا أن نفتح الأبواب للوافدين والنوافذ للرياح، على أن تكون أقدامنا راسخة وجذورنا ضاربة، عندها يكون كل ما يفد إلينا إثراء للواقع
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كمحبة للغة العربية أريد أن أسألك هل تظن فعلًا أن اللغة العربية قد أصبحت بالفعل لغة جامدة في طريقها للاندثار، أم أن هناك سبيل ما لإنقاذها؟
هل يجدر بنا إنقاذها أصلًا، أم أننا يجب أن نواكب متطلبات العصر بما يفرضه علينا من الاهتمام بلغات أكثر أهمية في سوق العمل؟
اللغة العربية "هاجر"، مثل الكثير من اللغات، لديها إشكاليات تتعلق بالاشتقاقات اللغوية وتماثل المعاني فيها، لكن القول إنها لغة ميتة إمّا يندرج تحت الوهم الاستعلائي عن تفوق ثقافة على أخرى أو نتيجة جهل بهذه اللغة، وهو موقف لا يختلف عن مواقف الأصوليين اللغويين الذين يعيقون تطور المفردات اللغوية العربية وتحوّل معناها، فنجد النحويين -وهم من أبرز معوقي تطور هذه اللغة- عادة ما ينشرون تصحيحاتهم: قل كذا… ولا تقل هكذا…، ويعتبرون الحركية الحية في اللغة ومعانيها أخطاء شائعة. كل اللغات التي أبقيت صامدة وصلبة هي تلك التي بنت لنفسها ركائز مستحدثة وقواعد سلسة "خططت لصوغ دراسات لسانية تشرف على عافية اللغة واعتلالها، بكل منظوماتها الصرفية والصوتية والسمعية وما شابه ذلك من معطيات معرفية حديثة.
أحييك على حبك و غيرتك على العربية، و لكن لا يمكن تحميل اللغة وزر التأخر والتشظي الذي تعيشه البلاد العربية، خاصة لجهة عدم تحدث من ينتمون إليها بها، والاستعاضة عنها باللغة الشعبية الدارجة لا يعني موت اللغة بالضرورة، فهي "لغة التعليم والصحافة والسياسة والثقافة، فإذا اندثرت كلغة محكية، فهي ما زالت حاضرة وبقوة في الوعي الجمعي العربي عبر لغة خطابها. ربما تكون اللغة العربية كما يقول بعض المهتمين في حالة سكون كنتيجة طبيعية لحالة الموت السريري الذي تعيشه جغرافيا الناطقين بها.
أما بالنسبة لجمودها في الترجمة عند النقل، فهي إشكالية تخصّ لغة عالمية مثل اللغة الإنجليزية، التي لا توجد فيها أدوات ربط مثل تلك التي في اللغة العربية، "فيستعيض المترجم بالمعنى كي لا يفقد نقلها من لغة إلى أخرى بريقها. و هنا، لا يجب أن لا ننسى دور التكنولوجيا الرقمية ودورها في تراجع الكثير من اللغات بسبب التعامل مع هذا المجال بلغةٍ واحدة.
مرحبا أستاذة أمينة:
تتمثل أهمية الجانب السوسيولوجي- كما تعلمين- في كونه يضمن نظرة شاملة عن حياة الشعوب وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، كما له مكانة هامـة في تعليم وتعلّم اللغات الأجنبية. أما بالنسبة لاستثماره في التعليم، فيمكن اعتباره مكوناً أساسياً ومكمـلاً مهماً لمحـتوى المـواد التعليمية . وبالتالي يمكن دمج العناصـر الاجتماعية للغة العربية في مقررات برامج التعليم، بشكل يخدم العملية العليمية التعلمية، ويضمن نجاعة تعليمة مرنة، تجعل من البعد السوسيولساني أهم مرجعياتها. بغية الوصـول إلى مستوى من القـدرة اللغـوية والثقافية التي تمكن المتعلمين من الاشتراك والاندماج مع متحدثي اللغـة بشكل لا يقـل كثيراً عن مستوى أهل اللغة ومتحدثيها، والتطـلع إلى التزوّد برؤية اجتماعية واضحـة تمكّنه من تحصيل المعلومات والمعـارف الثقافية التي تسـاعده على التعامـل مع هذه اللغة. وهذا يعني أن ما يقدم من الجانب اجتماعي، قديلبي حاجات الدارسين واهتماماتهم وأهدافهم من تعلّم هذه اللغة.
مرحبًا دكتور خالد، أولًا أنا استمتع جدًا بقراءة مساهماتك وهي تدل على خبرة واسعة ومجهود بحثي لائق. هل لك ان توضح كيف أفادك دراستك للسوسيولسانيات في بحثك في مجال علم النفس التربوي؟
علم النفس التربوي هو دراسة كيفية تعلم الناس، بما في ذلك طرق التدريس والعمليات التعليمية والاختلافات الفردية في التعلم. يستكشف التأثيرات المعرفية والسلوكية والعاطفية والاجتماعية على عملية التعلم. يستخدم علماء النفس التربوي هذا الفهم لكيفية تعلم الناس لتطوير استراتيجيات تعليمية ومساعدة الطلاب على النجاح في المدرسة. يركز هذا الفرع من علم النفس على عملية التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة والمراهقة. ومع ذلك ، فإنه يستكشف أيضًا العمليات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية التي تشارك في التعلم طوال العمر الافتراضي. يشتمل مجال علم النفس التربوي على عدد من التخصصات الأخرى ، بما في ذلك علم النفس التنموي وعلم النفس السلوكي وعلم النفس المعرفي . تشمل مناهج علم النفس التربوي المنظورات السلوكية والتنموية والمعرفية والبنائية والتجريبية. من هذا المنطلق يبرز دور السوسيولسانيات.
إذ أن اللسانيات الاجتماعية في أساسها تعنى بدراسة التنوع المشترك بين الظواهر اللسانية والمجتمعية، كما ترصد العلاقات الموجودة بين هذه الظواهر بتحديد السبب والنتيجة. ويعني هذا ضرورة البحث عن أسباب التغيرات التي تحدث على المستوى اللساني، وربطها بمسبباتها الاجتماعية أو سياقها التلفظي والتواصلي. هذا التعريف سيجعل من القاعدة الاجتماعية منطلقا أساس يمكن الاعتماد عليه في بناء بعض المكونات الأساسية في برامج تعليم العربية، خاصة مكون النصوص الذي يجعل المتعلم في احتكاك أكثر مع اللغة، ومنه يتم الانفتاح على المكونات الأخرى، باعتبار النص هو الدعامة الأساسية في تمرير باقي المكونات الأخرى.
يتأسس تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها مثلا على مجموعة من المبادئ التي تنطلق من مرجعيات متعددة، أهمها الإطار السوسيولساني الذي يحلل كل المكونات اللغوية في علاقتها بالمجتمع بشكل إجرائي. واستثمار في بناء المناهج والمقررات التعليمية للفئة غير الناطقة باللسان العربي؛ سيكسب المتعلم الكفايات اللغوية اللازمة. هذا بإقرار البحث اللساني الاجتماعي الذي يقوم أساسا في وصف الظاهرة اللغوية وتحليلها على مبدأ الفصل بين نظامين مختلفين: نظام لغوي منطوق وآخر مكتوب. وهذا ما يدعو إلى تبني مدخل شفوي في تقديم للتراكيب النّحويّة، بصورة عامة، مع التركيز على الحوارات المصطنعة والتدريبات الشفوية وحفظ الأنماط اللغوية ومحاكاتها، والاستعانة بالأنشطة التواصلية التي تتيحها اللغة الاجتماعية المعزولة لهذا الغرض التعليمي. إضافة إلى تحديد بعض المواقف التي يُتوقع أن يمر بها الدارس من غير الناطقين بالعربية في تعامله اليومي، وفي المواقف العامة الأخرى التي يواجهها أثناء التعامل مع الناطقين باللغة العربية.
أهلاً بك د خالد, في هذا المجال الرائع الذي يعد أساس حضارة أمتنا العربية والإسلامية.... لدي سؤال يومياً يراودني, بالرغم من أننا في مصر لدينا العديد من مؤسسات ترعى اللغة العربية ولغتنا مستمدة من الفصحى إذا لماذا نرى العديد من الأجيال الجديدة خصوصاً على السوشال ميديا أغلب الناس لا يعرفون شيئاً عن قواعد اللغة الصحيحة ولا يكتبون سطراً سواء بالعامية أو بالفصحى إلا أن يكون متخماً بالأخطاء الإملائية حتى البسيطة مثل الهمزات والألف والنقاط وغيرها !! والأغرب أن العديد لا يرون أنه يوجد خطأ في تلك الكتابة من الأساس أو لا يدركون أهمية اللغة الصحيحة (حتى في الكتابة بالعامية) فما سبب هذا في وجهة نظركم ؟؟
في الحقيقة صديقي معتز و في ظل الثورة الرقمية المتسارعة التي نشهدها في هذا العصر، وشيوع استخدام منصات التواصل الاجتماعي ووسائط تبادل المحادثات المكتوبة، والصوتية، والمرئية، نكتشف فعلا أن اللغة العربية تواجه أزمة حقيقية في ظل عزوف كثير من الشباب عن استخدام لغة عربية صحيحة للتواصل مع الآخرين. ولو أننا تخيلنا شخصا من بدايات القرن الماضي أقدم على إجراء محادثة اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي لهاله ما تحفل به المحادثة من رموز وإشارات ربما لم ير مثلها من قبل. بيد أن هناك من يعتقد أن الشباب يكتبون باللغة العامية طوال الوقت خاصة في بعض الدول كدولة مصر مثلا، حتى من قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لأنهم ضعفاء في اللغة العربية. كل ما فعلته تلك الوسائل هو أن جعلتنا نرى أخطاء هؤلاء الشباب اللغوية بعد أن سلطت عليها الأضواء، ودفعتنا إلى تدشين مبادرات لمعالجة تلك الأخطاء.
و لكن لا يجب أن ننسى صديقي معتز أن اللغة - هنا - تلعب كذلك دورا في التعبير عن المستوى الاجتماعي أو ربما الإشارة إلى طبقة اجتماعية بعينها؛ إذ يحاول بعض الشباب في كل طبقة اجتماعية التعبير عن أنفسهم على نحو يضمن لهم التميز عن غيرهم، من خلال ما ينشرونه من موضوعات وتعليقات على مواقع التواصل في قوالب لغوية محددة.
مرحبًا د.خالد، تخصصك شيق
بصفتك مهتمًا لاللغة العربية وأستاذأ بها، أود أن أعرف رأيك عن الأدب المكتوب بالعامية هل يقدم قيمة ويثري المكتبة العربية بأعمال أدبية تناسب الثقافة الحالة أم أنه يجب على الكتاب الالتزام بقواعد اللغة الفصيحة وآدابها؟ فقد لاحظت انتشار الكتب باللغة العامية وأحيانًا بلهجة شعبية متواضعة جدًا، فهل هذا نقص في ثقافة وعلم الكاتب بقواعد اللغة أم وسيلة للاقتراب أكثر من الجمهور؟
التعليقات