إحدى المقالات التي اطلعت عليها عن تأثير تشات جي بي تي على التفكير والسلوك ذكرت قصة شاب متخرج من جامعة مرموقة، يتسم بالذكاء ويملك سيرة ذاتية مثالية، إلا أنه أثناء إجراء مقابلة عمل معه كان يتوقف كثيرًا أثناء الحديث، وكأن الكلمات واللغة تضيع منه. عندما سُؤل عن سبب تلك الحالة كانت الإجابة صادمة!
أحيانا أنسى الكلمات الآن، لقد اعتدت على استخدام تشات جي بي تي لإكمال أفكاري، لدرجة أنني عندما لا أستخدمه، أشعر بأن عقلي أبطأ
لقد تحول اعتماده على الذكاء الاصطناعي إلى اعتماد كلي، تحوّل إلى عقله الخارجي الذي يفكر ويكتب ويتواصل بدلًا عنه، فإلى أي مدى قد يفقدنا الذكاء الاصطناعي لياقتنا الذهنية؟
يُفسر العلم ظاهرة هذا الشاب وفقًا لكتاب "التفكير السريع والبطيء" حيث يتطرق إلى أن التفكير البشري ينقسم إلى نظامين:
- السريع: يعمل بأقل جهد ويتيح لنا اتخاذ القرارات السريعة.
- البطيء: يعتمد على التحليل ويساعدنا على التعامل مع المشكلات المعقدة ومهام التفكير التحليلي.
وكلا النظامين يعملان معا ويتكاملان. ولكن ظهور الذكاء الاصطناعي أدى إلى ظهور نظام جديد سمي "نظام 0" وفق ما أُطلق عليه الباحثون من الجامعة الكاثوليكية بميلان في دراسة نشرت أكتوبر 2024، هذا النظام أشبه بعقل خارجي، قد يؤدي الاعتماد المفرط عليه إلى تقويض العقل البشري على التفكير النقدي.
يشير "النظام 0" إلى استخدام الذكاء الاصطناعي باعتباره شكلًا من أشكال التفكير الخارجي الذي يستطيع تعزيز القدرات الإدراكية من خلال معالجة كميات هائلة من البيانات وتقديم اقتراحات بناءً عليها. ولكنه في الوقت ذاته يفتقر إلى الفهم الحقيقي للمعلومات التي يعالجها، ما يتطلب من البشر تفسير النتائج وإعطاءها معنى.
خطورة الأمر تكمن في الاعتماد المفرط على "النظام 0" دون ممارسة التفكير النقدي، وبذلك نتعرض لخطر فقدان قدرتنا على التفكير المستقل وتطوير أفكار مبتكرة، أو كما يشير الباحثون إلى أن الذكاء الاصطناعي قد "يخطف" قدرتنا على التأمل الذاتي، والتي تكمن أهميتها في كونها عملية إنسانية فريدة مرتبطة بالطبيعة البشرية. وهذا ما حصل مع الشاب صاحب القصة، حيث يبدو أنه أصبح يعتمد على "النظام 0" قبل انتظار رد فعل النظامين الأساسيين.
هل تدرك الآن خطورة الذكاء الاصطناعي الحقيقية؟ الأمر ليس قاصرًا على استبدال الوظائف وتقليص فرص العمل بالسوق، وإنما هو تهديد حقيقي لأدمغتنا إذا اعتمدنا عليها بشكل مفرط.
التعليقات