في الابتدائية كان لدي صديق اسمه يوسف، كان ضعيف البنية بشكل ملحوظ، يرتدي نظارة بسبب قصر نظره، وكان دائمًا ما يتعرض للتنمر والأذى الجسدي.
وفي كثير من الأحيان، كنت أتدخل أنا وصديقي أحمد للدفاع عن يوسف .
كنا نسكن في منطقة من المناطق الممتلئة بالمجرمين، وبالتالي كان أبناؤهم هم المتنمرون في المدرسة، وكان من السهل عليهم أن يطاردوك بعد المدرسة حتى بيتك ويقذفوك بالحجارة أو أكياس القمامة.
ولذلك، في كثير من الأحيان، ولقرب منزلي ومنزل أحمد من منزل يوسف، كنا نرافقه للبيت حتى لا يؤذيه المتنمرون بعد انتهاء الدوام.
تمر الأيام وننتهي من الابتدائية، ويذهب كلٌّ منا إلى مدرسة مختلفة،
لأفاجأ بعد حوالي ٦ أعوام، ولأول مرة منذ الابتدائية، باتصال من يوسف ليطمئن عليّ، ويخبرني بأحواله، ويسألني عن نصيحة في أحد القرارات المصيرية في حياته الدراسية.
وكانت نبرة صوته وكأن آخر مقابلة بيننا كانت منذ ٦ أيام، وليس ٦ أعوام.
لم أكن أعرف لماذا اختارني أنا، ولم أُعطِ للأمر أهمية في ذلك الوقت،
وحاولت أن أقدّم له نصيحتي وأعرض وجهة نظري بحياد، لأترك له الحرية في اختيار قراره.
ولم أسمع منه بعدها أي شيء.
تمر ٦ أعوام أخرى، ومنذ يومين لاحظت أن يوسف قام بوضع "ستوري" على تطبيق واتساب يحتفل بتخرّجه من الجامعة.
وقمت بالخطأ بالضغط عليها،
فأرسلت"إيموجي قلب" له، وكنت أشعر بالإحراج، فلا أعرف ماذا أقول، أو هل ما زال يتذكرني؟
لأفاجأ بعد قليل برد منه، يرد المباركة لي، فقد ظنّ أن ذلك "الإيموجي" كان المقصود منه هو التهنئة له على التخرّج، ولم يكن يعلم أنني أرسلته بالخطأ.
ثم قام بتهنئتي بالعيد في رسالة صوتية قصيرة، حتى إنه ناداني بلقب كنا نستخدمه في الابتدائية.
لا أعرف لماذا شعرت بسعادة شديدة في تلك اللحظة…
بل أظن أن تلك كانت أجمل هدية وأجمل تهنئة في عيد الأضحى.
فكم هو جميل أن تشعر أن فعلًا بسيطًا — بالدفاع عن شخص منذ ١٢ عامًا — ما زال ذلك الشخص يتذكره لك.
وأكبر درس لي في تلك القصة يتلخص في حديث الرسول ﷺ:
"لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا ، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ"
التعليقات