في عالم الأعمال، جذب العملاء لا يكون دائمًا عبر مطاردتهم، بل أحيانًا يكون السر في جعلهم هم من يأتون إليك. هذه الفكرة تجلّت بوضوح في استراتيجية OpenAI عند إطلاق شات جي بي تي، حيث أتاحته مجانًا بقدرات مبهرة، مما جعل الناس يتسابقون لتجربته ويشاركونه فيما بينهم، فتحول إلى ظاهرة تنتشر تلقائيًا دون إعلانات تقليدية. شركة Apple بدورها اتبعت نفس النهج حين طرحت أول هواتف iPhone بكميات محدودة، ما أثار فضول المستهلكين وخلق شعورًا بندرة المنتج، فزادت قيمته في أذهان الناس وسارعوا لشرائه قبل أن ينفد. في المقابل وعلى سبيل المثال، لم يتصرف سبيرو سباتس في مصر بنفس الذكاء في فترة كانت مواتية تمامًا له، فخلال المقاطعة، كان الناس يبحثون عنه بكثرة ولا يجدونه، ومع ذلك لم يحاول الاستفادة من هذا الطلب العالي لتوسيع إنتاجه أو تحسين حضوره في السوق، مما يدعو للتساؤل: لماذا لم ينتهز سبيرو الفرصة بينما كانت كل الظروف في صالحه؟
لا تبحث عن العملاء، بل اجعلهم يبحثون عنك.
أعتقد أن الفارق بين النموذجين هو كون استراتيجية الندرة نجحت مع Apple لأنها كانت متعمدة ومدروسة، صنعت شعورًا بالإلحاح لدى المستهلكين ودعمتها بتسويق قوي. لكن في حالة سبيرو، كان الغياب غير مقصود، وربما حتى مزعجًا للجمهور الذي كان يريد شراء المنتج ولم يجده خصوصا مع وجود بدائل أخرى محلية وإن لم تكن بالجودة الكافية، بل بعد ذلك قامت برفع الأسعار بشكل كبير مما فاقم من انزعاج العملاء وتحول الزخم من الإيجابية والدعم إلى انتقاد حاد. الفرق بين الندرة المدروسة والغياب غير المدروس كبير! الشركات الناجحة تعرف متى تقلل العرض ومتى تتوسع، بينما يبدو أن سبيرو لم يكن لديه خطة واضحة لإدارة هذا الزخم المفاجئ.
هذه الاستراتيجية بلا شك أثبتت فعاليتها في عالم المنتجات، لكن هل يمكن تطبيقها بنفس النجاح في مجال الخدمات؟ فعلى سبيل المثال، هل يمكن لمستقل أو شركة تقدم خدمات استشارية أو تقنية أن تجعل العملاء يسعون وراءها بدلًا من مطاردتهم؟
ربما يكون الحل في بناء سمعة قوية وجعل الخدمة تبدو "نادرة" أو ذات قيمة عالية، مثلما تفعل بعض الشخصيات المؤثرة في مجالاتها عندما تضع قيودًا على عدد العملاء الذين يمكنهم العمل معهم، مما يخلق شعورًا بالطلب العالي والجودة المتميزة. لكن إلى أي مدى يمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية في الخدمات دون أن تتحول إلى عائق يمنع العملاء من التفاعل؟
أو تقنية أن تجعل العملاء يسعون وراءها بدلًا من مطاردتهم؟
نعم، إذا أظهروا جودة خدماتهم بالأسلوب الذي يجذب لهم الفئة المستهدفة من العملاء، وهذا لا يعتبر قيودًا على فئة أخرى، ولكن لو أنك شركة استشارية تهدف إلى استقطاب توسع الشركات العائلية فقط، فلن تقبل مثلًا بشركة ستارت أب لأن استراتيجياتك والمعلومات التي تمتلكها هي على مستوى مختلف تمامًا، لذلك القيود هنا بحكم نوع الخدمات المُقدمة وليست رفضًا للعملاء.
ليس تمامًا، ففكرة جعل العملاء يسعون إليك لا تعني فقط "تحديد الفئة المستهدفة"، بل تتعلق أكثر بكيفية خلق شعور بالحاجة أو الرغبة في الخدمة بطريقة تجعل العملاء أنفسهم يسعون للحصول عليها دون أن يتم التسويق لهم بشكل مباشر. الأمر لا يتعلق بوضع قيود بحكم طبيعة الخدمات، بل بكيفية تقديمها وصياغتها بحيث يشعر العملاء أن الوصول إليها امتياز أو فرصة نادرة، وليس مجرد عرض متاح للجميع.
يذكرني تعليقك بمثال الرجل الذي يلمع الأحذية أعزك الله ويقول: "تلميع الحذاء بالمجان" فيتهافت عليه الناس ليكتشفوا أنّه يقوم بتلميع فردة واحدة أو حذاء واحد ويتركون القدم الأخرى فيضطر الناس إلى بدفع المال ليقوم هو بتلميع الحذاء الثانية لهم. فالمستقلون ومقدمو الخدمة يمكنهم أن يقدموا خدمات ناقصة أو بباقات بحيث يستغلوا نهم وشراهة عملائهم في استغلال خدماتهم.
هذه واحدة من أقوى استراتيجيات التسويق: خلق طلب بدلاً من مطاردة العملاء. فكرة أن تجعل العملاء يشعرون أنهم بحاجة إليك وليس العكس تغير تماماً طريقة اللعب في السوق. لكن النقطة التي لفتت نظري هي مثال سبيرو سباتس، الذي كان بإمكانه الاستفادة من الزخم لكن لم يفعل. ربما كان السبب مشاكل في الإنتاج، أو ضعف في استراتيجيات التوسع، أو حتى عدم استعداد مسبق لمثل هذا الطلب الكبير. هل كل الشركات قادرة على تطبيق هذه الاستراتيجية، أم أن الأمر يتطلب موارد وقدرات معينة؟
سبيرو سباتس للأسف لعبها بتقليدية بدلا من أن يلعبها بذكاء، نسي أن أكبر شركة للأفلام والمسلسلات لا تملك استوديوهات وهي نيتفليكس على سبيل المثال ولو أنه فكر خارج الصندوق لخرج من أزمة قلة الإنتاج خصوصا وأن الناس بعد أن كانوا لا يرونه بسبب المنافسة مع بيبسي وكوكاكولا أصبحوا يروجون هم له بالمجان دون مجهود منه..
في رأيي الاستراتيجيات الذكية في جذب العملاء لا تعتمد فقط على جودة المنتج، بل على فهم نفسية المستهلك وكيفية تحفيزه. ما فعلته OpenAI وApple كان عبقرية تسويقية تعتمد على مبدأين رئيسيين:
الندرة المُدارة (Artificial Scarcity) مثلما فعلت آبل بإطلاق iPhone بكميات محدودة، مما خلق تنافسًا وطلبًا هستيريًا.
الإنسان بطبيعته يريد ما يعتقد أنه نادر أو حصري!
التسويق عبر الإبهار (Wow-Marketing):
- تقديم ChatGPT مجانًا بقدرات مذهلة جعل الملايين يتحدثون عنه تلقائيًا.
- عندما يُدهش العميل، يصبح هو نفسه وسيلة التسويق لك
لكن سبيرو سباتس فشلت في الاستجابة السريعة لزيادة الطلب (زيادة الإنتاج/التوزيع).
اعتقد ان العملاء لا يشترون منتجًا فقط، بل يشترون قيمةً وتجربةً وشعورًا
اعتقد ان العملاء لا يشترون منتجًا فقط، بل يشترون قيمةً وتجربةً وشعورًا
أحيانا قد يكون المنتج نفسه أغلى من العادي أو منافسيه لكنهم يشترونه، فمثلا أنا كنت منتميا لشركة بعينها أحصل منها على استضافة ونطاق لموقع الشركة وكنت متمسكا بهم رغم التكلفة العالية فقط لأنهم سريعو الرد على العملاء ودائما جاهزون لحل المشاكل.
تحليل دقيق! النجاح في جذب العملاء لا يعتمد فقط على تقديم منتج جيد، بل على استراتيجية تسويقية ذكية تستغل سلوك المستهلكين. OpenAI وApple فهمتا هذا بوضوح، حيث ركزتا على إثارة الفضول وخلق الطلب بدلاً من مجرد عرض المنتج.
أما في حالة سبيرو سباتس، فقد أضاع فرصة ذهبية لاستغلال الزخم الذي حصل عليه خلال المقاطعة. ربما كان هناك عوائق تشغيلية أو نقص في الموارد منعته من التوسع، لكن عدم استجابته للطلب المتزايد يعكس ضعفًا في التخطيط الاستراتيجي. في عالم الأعمال، الفرص لا تنتظر، والشركات الناجحة هي التي تستعد للاستفادة منها في الوقت المناسب.
ما رأيك؟ هل كان بإمكان سبيرو التصرف بشكل مختلف لتحقيق نجاح أكبر؟
بل على استراتيجية تسويقية ذكية تستغل سلوك المستهلكين. OpenAI وApple فهمتا هذا بوضوح، حيث ركزتا على إثارة الفضول وخلق الطلب بدلاً من مجرد عرض المنتج
خدع التسويق اهم من المنتج أحيانا، وكم من منتج جيد بل ممتاز لا نعرف عنه شيء ونجده في السوق صدفة بأثمان زهيدة جدا مقارنة بسلع منافسة أقل منه جودة لكن سمتعتها بالتسويق غطت عليه ، هناك أيضا شيء مهم وهو فن الظهور ايضا 😒 شعار زيفه حتى تصنعه ليس مجرد كلام بل هو استراتجية فعالة ومستعملة على نطلق واسع تُؤتي أكلها فعلا .
صحيح، التسويق القوي قد يتفوق على جودة المنتج، فكم من منتج ممتاز يظل مجهولا بينما تنجح سلع عادية بفضل الترويج.
فن الظهور واستراتيجيات التأثير أصبحت ضرورة للمنافسة، فهل يمكن للمنتجات الجيدة الصمود دونها؟
فن الظهور واستراتيجيات التأثير أصبحت ضرورة للمنافسة، فهل يمكن للمنتجات الجيدة الصمود دونها؟
التسويق بالسمعة وترشيحات الجمهور قد تساعد في التقليل من الترويج أو حتى جعله أكثر فاعلية أكثر من الاستخدام التقليدي للترويج والتسويق.
فن الظهور واستراتيجيات التأثير أصبحت ضرورة، ليس فقط لجذب الانتباه، بل لبناء مكانة ذهنية قوية وسط زحام الخيارات. ومع ذلك، التسويق بالسمعة وترشيحات الجمهور يقدمان اليوم بديلا أكثر صدقا وفعالية من الأساليب التقليدية. فالجمهور يثق بتجربة الآخر أكثر من أي إعلان. التوازن بين جودة المنتج، والظهور الذكي، وصوت الجمهور، هو المعادلة المثالية للصمود والتميز.
وخلق شعورًا بندرة المنتج،
كنت في نقاش سابق عن مبدأ الندرة مقابل الإتاحة، وبالفعل عامل الندرة يخلق الترقب والشغف بالشيء النادر، لسبب بسيط لأنه مرتبط بإمكانية ضياع الفرصة أو عدم القدرة على الحصول عليه، وهذا يخلق دافعًا للتجربة حتى لو كنت في غير احتياج للمنتج تمامًا. وهنا يكون دور تحليل النتائج، هل الحاجة ما زالت موجودة لدى المستهلكين حتى مع توافر المنتج أم أنها كانت تجربة فقط لندرته؟ هنا التحليل يقيس الجودة والتحسينات المطلوبة ورغبة المستهلكين، وربما شركة سبيروسباتس لم تنتهز الفرصة، لأنها ربطت قيمتها بعدة شهور ولم تعتمد خطة لتكون مستدامة في السوق.
التعليقات