لماذا لا تملك المجتمعات العربية ثقافة الطب النفسي ؟

للأسف بالفعل فإن الصورة النمطية عن مراجعة الطبيب النفسي هي أمر ينظر له نظرة سلبية في مجتمعاتنا العربية، وقد يرجع ذلك بالإضافة لما ذكرته في طرحك بالأعلى إلى رؤية المرض النفسي في مجتمعاتنا على أنه نتيجة لعلة في إيمان المرء، ولابد فعلا من نشر الثقافة والتوعية على أهمية الطب النفسي ومراجعة الطبيب النفسي لتلقي العلاج اللازم عند الحاجة دون خجل أو حرج.

ولكن أرى بالفعل أن ذلك الوعي بدأ بالانتشار في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا وهذا أمر إيجابي لتخطي تلك الصورة النمطية الموروثة.

وعلى سبيل المثال لتلك الأنشطة التوعوية ذلك اللقاء على بودكاست فنجان مع الطبيب النفسي عبدالله السبيعي

هل تملك ثقافة الطب النفسي ؟

للاسف في وطننا العربي على مختلفه هذه الثقافة مفقودة، المريض النفسي ينسب غليه الجنون مباشرة وغير مقبول في الوسط حتى لو كان ضروري زيارة طبيب نفسي من أجل التنفيس عنه فقط.

ما دور ثقافة الطب النفسي؟

ثقافة الطب النفسي تساعدنا في الوعي عن أنفسنا وعن المحيط والبيئة التي نوجد فيها، يمكننا التعامل مع مختلف العقليات ونصبح نفهم العديد من السلوكات وسببها في حياتنا.

بالإضافة إلى قلة الوعي والثقافة النفسية ، ساهمت الدراما العربية بشكل كبير في النظرة السلبية للطب النفسي ، بدل أن تساعد في نشر مفاهيم جديدة عن هذا المجال ، الصورة النمطية للطبيب النفسي اما شخص مخيف غريب الاطوار او ان يعمدوا الى وضعه في اطار كوميدي وهزلي ، في حالة تسئ لسمعة الطب النفسي ، وتقدم كذلك المرضى بذات الطريقة مما يحصر الجميع في ذهن المشاهد في حالة (المجانين) فقط لا غير ..

نحن لا نؤمن الا بالمرض العضوي والطبيب البيولوجي ، ونجهل ان الاضطراب النفسي كثيرا ما يكون هو المدخل الرئيسي للمرض العضوي .

ارى بأن السبب الرئيسي لذلك يمكن أن يكون هو عدم الوعي بأهمية الصحة العقلية والطب النفسي في المجتمعات العربية. خصوصا أنني لاحظت بأن هناك بعض الخجل والتحيز الثقافي حول الحديث عن الصحة العقلية في بعض المجتمعات العربية، ومن محيطي مثلا هناك من يجد صعوبة في طرح الأسئلة المتعلقة بصحتهم العقلية أو الحصول على العلاج اللازم. لذلك ليس من السهل تشجيع المجتمعات العربية على التحدث بصراحة حول هذا الموضوع وتعزيز الوعي بالصحة العقلية والطب النفسي، واذا اردنا تغيير هذه النظرة لابد منا توفير الموارد اللازمة للأفراد للحصول على الدعم والمساعدة اللازمة.

ليست الشعوب العربية وحدها من لا تمتلك ثقافة الطب النفسي، الامر عام ويشكل كل الشعوب لكن بقية الشعوب تجاوزت هذا الامر في حين بقينا نحن في الوراء.

السبب هو مفهوم النفس بحد ذاته، فالنفس في الثقافة الاسلامية هي الروح والروح من امر الله وشفاءها به وبدينه طبعا في نظرها، ما يجعل اي محاولة للاستطباب بغير الدين وكلام الله امر من المشركات، وحتى مع تطور العلم واثبت جداراه، بقي الطب الروحاني والشعبي يأخذ حيز كبير من المخيال الجمعي.

الامر الاخر الجدير بالذكر هو علاقة الطب النفسي بمفهوم الجنون، من خلال الصورة النمطية التي شكلتها الدولة الحديثة عن الشخص المختل عقليا التي تبيه كشخص خطير ومنبوذ ، ولا احد يريد هذه الصورة لنفسه حسب التفكير التقليدي.

هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من الطب النفسي غير شائع في الكثير من المجتمعات العربية. ففي أكثر الأحيان يكون السبب الخوف من أحكام المحيط judgements الذي يعيش فيه الفرد. فأن يعلم المجتمع أن الفرد يتعالج من مرض نفسي هذا أمر عظيم بحسب أفكارنا المتهالكة. وأصلا الأمر لا يتوقف على الأمراض النفسية، ولكن يشمل الأمراض الجسدية ايضا. عندي صديقة كانت تتكلم البارحة كيف أن والدتها كانت تنهاها عن استخدام بخاخة الربو أمام الناس كي لا يتعاطف الناس معها. هل تتصورون الفكرة؟ إننا نخجل من التصريح حتى عن أمراضنا الجسدية التي لا يد لنا فيها! وأما السبب الآخر هو هدم ثقتنا بالطب النفسي أصلا. فلا زال هناك الكثير من الأفكار المغلوطة حوله. وفي الأحوال الأخرى يكون السبب غياب الوعي الفري والمجتمعي الكافي، أو الخوف من العلاج، أو عدم وجود القدرة المادية لتغطية تكاليف العلاج.

يعتبر الطب النفسي ثقافة ومجالًا مهمًا للغاية لفهم وعلاج الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية. وعلى الرغم من أن العديد من البلدان العربية لديها مؤسسات طبية وصحية تقدم خدمات الرعاية الصحية النفسية، إلا أن التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية تتسبب في عدم انتشار ثقافة الطب النفسي بشكل كافٍ وفعّال.

من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في هذا الصدد:

1- الإيمان بأن الأمراض النفسية هي نتيجة لسحر أو شياطين أو عقوبة إلهية، بدلاً من النظر إليها على أنها مرض يمكن علاجه.

2- عدم التوعية الكافية بالأمراض النفسية واضطرابات العقلية، وعدم القدرة على التعرف عليها أو التحدث عنها بشكل عام.

3- قدرة العديد من المرضى على إخفاء أعراض الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية، وعدم البحث عن العلاج اللازم لها.

4- نقص الاستثمار في الرعاية الصحية النفسية وعدم توفير الموارد اللازمة للتشخيص والعلاج.

5- الصعوبات المالية والاجتماعية التي تمنع الكثير من الناس من البحث عن الرعاية الصحية النفسية اللازمة.

للتغلب على هذه التحديات، يجب تعزيز الوعي والتحسيس بأهمية الصحة النفسية والتركيز على التعليم والتثقيف في هذا المجال، وتحسين البنية التحتية وزيادة التمويل لتوفير خدمات الرعاية الصحية النفسية. كما يجب تحسين التدريب الطبي والتوعية بأهمية العلاج النفسي في الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية.