ربما لا نلاحظ كثيراً في حياتنا الفرق بين كمية ما نتحدث به مقارنةً مع كمية ما نسمع من حديث، وأعتقد أن ذلك يعود إلى طبيعة عالمنا الذي ما أن نخرج إليه فإنه لا يتوقف عن الحديث، الناس من حولنا والظواهر الطبيعية، كل شيء في هذا العالم يتحدث بطريقة ما، نفهم جزء قليل منه فقط.

ونحن كبشر نستمر بالحديث بشكل يومي في جميع المواقف التي نمر بها، وغالباً دون أن ننتبه للأثر الذي يتركه الحديث سواء على أنفسنا أو على الآخرين.

ومع ضرورة السماع وتنوع أهميته المتمثلة في فهم الآخرين جيداً والتعبير عن احترامهم فإن للسماع فوائد أخرى كثيرة، وأهم فائدة له أنه يجعلك المتلقي للمعلومات لا مقدمها، فأنت بهذا تكتسب علماً وتضيف لنفسك فوائد جديدة أما كونك المتحدث فهذا يعني أنه عليك إلقاء ما تملك من معلومات، كما أن السماع يتيح لك أن تكون حَكماً على ما تسمع، بخلاف عندما تكون المتحدث، فإنه عليك أن تنتظر حكم ورأي الآخرين في حديثك، فتُخرج نفسك حينها من موضع الحكم عليك، ولأن الحديث الجيد يتطلب مستمعاً جيداً فإنك لن تستطيع الحديث في أمرٍ ما، ما دمت لم تستمع إلى جوانب أفكاره جيداً، والمناقشة الفكرية كذلك تتطلب منك بالضرورة الإنصات لما يقوله الآخر بدقة وتركيز لكي تتمكن من الرد عليه.

كما أن الاستماع الجيد يخلق في ذهن صاحبه مساحة جيدة من التفكير والتحليل العميق قبل أن يتحدث أو يحكم على شيء أو يحاول حل مشكلة ما، ويقول علم النفس أن كثير من مشكلات الإنسان تُحل فقط لمجرد تحدثه عن مشكلته وشرحها؛ وهذا يتطلب حينها مستمع جيد، يعي أهمية الاستماع والانصات الفاهم للآخر والمتأثر به.

وأخيراً، فإن الدماغ كوكبٌ مترابطٌ من التخزين والتحليل والاستنتاج، وهو عالمٌ هائلٌ لا تنمحي منه المعلومات والمواقف والكلمات، بل تذهب عميقاً في أعماق العقل اللاواعي فكل كلمة نسمعها أو نتحدث بها يظل أثرها -وإن كان طفيفاً- كامناً فينا. لهذا أعتقد أنه علينا اختيار كلماتنا بدقة، والأهم من ذلك اختيار الوسط الذي نكون فيه.

برأيك ما هي أهمية الاستماع الجيد؟