(لقد درجتُ، -شأني في ذلك شأن معظم الجيل الذي أنتمي إليه- على المثل القائل: بأن اليد البطّالة نجسة، ولمّا كنتُ طفلاً -يتحلى بأسمى الفضائل- كنت أصدق كلّ ما كان يقال لي، واكتسبت ضميراً ما زال يدفعني إلى العمل الشاق حتى اللحظة الراهنة. ولكن بالرغم من أن ضميري ما زال يسيطر على أفعالي، إلا أنّ آرائي قد اجتاحتها ثورة!، فأنا أعتقد أن العمل الذي ينجز في العالم يزيد عمّا ينبغي إنجازه بكثير، وأن ثّمة ضرراً جسيماً ينجم عن الإيمان بفضيلة العمل)!!.
بهذه الكلمات بدأت المقالة الأولى والتي حمل الكتاب اسمها (في مدح الكسل) للكاتب البريطاني برتراند راسل، ليختصر الشرح الطويل مشيراً إلى أننا بحاجة للكسل أحياناً حتى نعيد شحن همتنا من جديد، ونتمكن من إدراك المتع الموجودة في الحياة، واكتشاف ما في ذواتنا من قدرات ومواهب.
عدة دراسات أجريت للوصول لما يسمّى بفن السعي للكسل الاستراتيجي، هل تتخيلون ذلك؟ المؤيدون لذلك يدعمون وجهة نظرهم بتأثير الكسل، حيث يظنون بأننا حين نكون بحالة من الكسل فإننا لا نحتاج إلى تنظيم أفكارنا، مما يجعلنا نشحن طاقاتنا من جديد لنكون أكثر تركيزاً، هذا الأمر يؤكده أننا نجد الأفكار الجديدة ونحن مسترخين أو حين نقوم بالنزهات أو حتى ونحن نأخذ حماماً طويلاً.
لماذا تتوّلد الأفكار حينها؟؟ برأيهم لأنّنا نفقد التركيز والانتباه للمحيط حولنا، وهو ما لن توّفره لنا عقولنا أثناء قيامنا بالأعمال.
الكسل الإصلاحي مصطلح جديد يطلب منّا أن نخفّف قيود العمل، ونقلّل من الضغط الناتج عنه، ونمنح أنفسنا فرصة الاستمتاع والترفيه، مبتعدين عن هوس صناعة قيمة لأنفسنا.
هذا الأمر كان ملفتاً لي، خاصة وأنني من أولئك الذين يعملون لساعات طويلة وطيلة أيام الأسبوع، حيث يحقّق العمل لي إثبات الذات الذي أحتاجه، إضافة إلى توفير الحياة الكريمة التي أظننا جميعاً نسعى إليها، حتى أنني في اللحظات التي أشعر فيها بضغط نفسي أنخرط بالأعمال بشكل مضاعَف بحجة أنني بذلك أتجاوز وأتناسى مشاعري السلبية.
وأنتم، خبروني كم ساعة تعملون في اليوم؟ وما هي الأمور الاجتماعية الحياتية التي ابتعدتم عنها -طوعاً أو كَرهاً- لتعملوا طيلة الوقت وتوّفروا متطلبات الحياة الضرورية لكم؟، وهل حقّقتم ذلك حقاً؟
وأخيراً، لطالما كان الأستاذ يوّبخ أحد الطلبة المقصّرين بقوله: يا كسلان!، حتى باتت تلك الكلمة تعني شخصاً لا مبالياً، لا يكترث بنفسه ومستقبله ولا يأبه!، لذلك ألا تظنون أن استخدام عبارة الكسل اليوم لتشجيعنا على أخذ وقت للراحة يجعلنا نرفض الفكرة؟ ألا ترون أنّ مصطلح الاسترخاء، سيكون أفضل؟ أم أنّ لديكم رأياً يجعل من كلمة الكسل مقبولة ومشجّعة؟
التعليقات