في كتاب (هوس العبقرية: الحياة السرية لماري كوري) تمكنّت بحرفية مطلقة الكاتبة (باربارا جولدسميث) من كتابة سيرة حياة عالمة الفيزياء والكيمياء مدام كوري –مكتشفة الراديوم-، حيث في هذا المنحى لا يمكنني إلا الإشادة بسحر وبلاغة الكتاب الذي خرج بشكل أدبي لم تعقّده المصطلحات العلمية بل كانت سهلة على القارئ من أي مستوى كان، فنقرؤه بسلاسة لا تخلو من المتعة.

مَن فينا لا يعرف مدام كوري الحاصلة على جائزة نوبل مرتين ، وهو ما لم يحدث مطلقاً، الجدير بالاهتمام أن عائلتها حصلت على جائزة نوبل لخمس مرات بدءاً بوالدها، مروراً بها وزوجها بيير كوري، وانتهاء بالابنة وزوجها!.

هذه الشهرة التي لحقت بمدام كوري لم تناسبها أبداً، وحاولت جاهدة الابتعاد عنها، حتى وصفها ألبرت أينشتاين بأنها ربما كانت الشخص الوحيد الذي لم تفسده الشهرة، وذلك بسبب انغماسها وزوجها في العمل، وفرضا على حياتهما الانعزال والانطوائية، الانشغال بالأبحاث العلمية كان أولويتها وزوجها حتى على حساب عائلتهما وتربية بناتهما اللواتي كنّ يشكين من إهمال الوالدين، وافتقادِهن للعاطفة خلال طفولتهن.

كتبت مدام كوري لصديقة لها: لست قادرة على تكريس أيّ وقت للحياة الاجتماعية، سيخبرك كلُّ أصدقائِنا أنَّني لا أراهم أبداً إلا للعمل، أو لأسئلة تتعلَّق بذلك، لا أحدَ يزورني، ولا أرى أحدًا، ولم أستطع تجنُّب إحراجِ بعض الناس من حولي وفي معملي يرون بأني غير ودودة، لقد فقدت إلى الأبد عادة التحدث دون وجود هدف.

حتى أن زوجها بيير، لم يتصالح مع متطلبات النجاح والشهرة، فقال في إحدى المقابلات شاكياً: الثروة تفضّلنا حالياً، لكن هذا التفضيل لا يأتي بدون إزعاجٍ، فلم نكنْ في حياتِنا أبعد ما نكون عن الهدوء والسكينة مثل الآن.

اهتمام مدام كوري وزوجها بالتجارب والعلم وصل حدّ الهوس، ليكون الهدف الوحيد الذي يسعيان لإحرازه، نوعٌ من التعلّق الذي جعل الكاتبة سميث تعنون كتابها باسم (هوس العبقرية).

جعلني الكتاب أتوّقف طويلاً أمام تلك التفاصيل التي نمسحها من حياتنا، ليس لأننا رتبنا أولوياتنا بقدر ما أننا مصابون بهوس الاهتمام بأمر بعينه، حتى أنّ بيل غيتس وصف نفسه حين قال: (أنا مهووس)!!.

هل يمكن للعبقرية أن تكون هوساً؟؟ أم أنّ المشكلة بأنّ الهوس تواجد عند شخصية عبقرية منحته كلّ اهتمامها وتركيزها؟

كيف يمكن التوزان في حياتنا حتى لا يكون لأمر بعينه الاهتمام دون تفاصيل حياتنا الأخرى التي قد تكون مصيرية وتستحق الاكتراث؟