كان لي زميلة في منتصف العشرينات تؤجل شراء حذاء جديد رغم تمزقه لأنها ترسل مبلغًا شهريًا لوالدتها لمساعدتها في مصاريف المنزل تعمل في أكثر من وظيفة بدوام جزئي وتعيش على الحد الأدنى تُخفي تعبها وضعفها حتى لا تُقلق والدتها وتستمد صبرها من حبها لها وشعورها بالواجب تجاهها لم يكن ما تفعله بطولة ولا دراما بل كان امتدادًا لما يفعله كثيرين من حولنا أولئك الذين يضعون أنفسهم في المرتبة الأخيرة فبر الوالدين ليس محل نقاش لكن البر لا يعني أن نحرق أنفسنا أن نستدين لنمنح أن نؤجل احتياجاتنا الأساسية فقط لنبدو أمامهم أبناء صالحين كثيرون يعيشون هذا الصراع يوميًا بين قدرة محدودة وواجب لا يقبل التأجيل بين قلب يريد أن يعطي وجيب فارغ لا يستطيع رأيت أصدقاء يعملون ليل نهار ويسكتون على تعبهم النفسي والجسدي فقط لأن الأهل لا يعرفون حجم الضغوط وآخرين قرروا أن يضعوا حدودًا فواجهوا صمتًا باردًا أو كلمات قاسية من أقرب الناس شاركونا بآرائكم وتجاربكم الواقعية
نُقدّم المساعدة للأهل رغم قلة الإمكانيات أم نعتذر؟
ظروف الناس تختلف، فبين من أهله فعلا في حاجة لعمله ذاك، وبين من أهله بطريقة أو بأخرى استغلوا طيبته فتقاعسوا وتوسعوا في معيشتهم على حساب تعبه ومستقبله الضائع..
لدي أصدقاء كثيرون التحقوا بالجيش ويصرفون معظم مداخيلهم على أسرهم، منهم من أسرته فعلا محتاجة لذلك ولا سبيل غيره للعيش، ومنهم من استغلوه وطلبوا منه كماليات لم يكونوا يحصلون عليها قبل أن يدخل الجيش، ومنهم من آباؤهم توقفوا تماما عن العمل واعتمدوا عليهم، ومنهم من أهله لم يضغطوا عليه ولم يطلبوا منه؛ لكنه لظروف ما عاشها خلال حياته لا يحب أن يظهروا أمام الناس بمظهر الفقر أو الحاجة، فيتوسع هو بجوده عليهم بالإنفاق (مثل شراء الأضحية، الملابس، أصناف الطعام...)
وعلى كل حال، على الأهل أن يتفهموا ويشعروا بذلك الشاب المسكين أو الشابة الذين يحرقون أنفسهم كالشمعة ليضيؤوا حياة من حولهم.
وعلى الإنسان بينه وبين نفسه أن يسعى لتحقيق التوازن بين المسؤوليات الضرورية والسعي لبناء حياته ومستقبله الشخصي.
نعم ظروف الناس تختلف وأحيانا المشكلة لا تكون فقط في الأهل بل في نظرة المجتمع كله للشخص الذي بدأ العمل مبكرًا أو التحق بالخدمة العسكرية فينظر إليه كأنه رب الأسرة والمسؤول الأول عن الجميع وهذا يضع عليه ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا بعض الأشخاص يشعرون بالذنب لمجرد التفكير في الاحتفاظ بمالهم لنفسهم لأنهم تربوا على أن الامتناع عن العطاء للأهل يعد أنانية أو عقوقا أعرف شابًا بدأ العمل في سن صغيرة ليساعد أسرته وبعد سنوات أصبح كل فرد في البيت يعتمد عليه حتى في أبسط الأمور حاول مرة أن يدخر ليكمل دراسته فقوبل باللوم والاتهامات بالتقصير مما جعله يتخلى عن حلمه تمامًا لهذا من الضروري أن نعيد التفكير في مفهوم الواجب ونفصل بين التقدير الحقيقي للأهل وبين الاستنزاف الذي لا يتوقف لأن التضحية المستمرة من طرف واحد تفقده القدرة على بناء حياته
نعم، حتى النظرة المجتمعية أدت إلى ذلك بطريقة أو بأخرى، أي أن الشاب حتى ولو لم يطلب منه أهله أن ينفق عليهم نجده يسعى لإدخال نفسه وتحميل نفسه تلك المسؤوليات.. التي مع مرور السنين تصبح واجبات عليه وقد كانت في البداية تفضلا!
ماذا يفعل حينها الشاب الذي يتعرض لمثل تلك الظروف ، فأنا رأيت هذا النموذج أمامي .. وهذا الشاب يرى أنه إن لم يقم بتلك الواجبات الغير ضرورية بالحقيقة قد يكون عاق لوالديه .. ؟
هذا بالضبط ما تفعله أمهاتنا طوال الوقت، عندما يفضلن العائلة على أنفسهن لدرجة أنهن ينسين احتياجاتهن الأساسية، وينشغلن بإسعاد من حولهن ولو على حساب صحتهن وراحتهم، فهن المدرسة الأولى في العطاء الصامت، لذلك حين نتصرف مثلهن دون وعي فربما لأننا تعلمنا منهن أن الحب الحقيقي أحيانًا يعني أن تضع نفسك في المرتبة الأخيرة زي ما دايمًا الأمهات بيقولوا: أنا كويسة طول ما إنتوا كويسين.
صحيح تمامًا وقد يكون هذا هو السبب في أننا نتصرف أحيانًا مثل أمهاتنا دون أن ننتبه كأننا ورثنا هذا السلوك بداخلنا وكأن الحب الحقيقي يعني أن نؤجل أنفسنا دائمًا ونضع الآخرين في المقدمة لكن من المهم أن ننتبه إلى أن هناك فرقًا بين العطاء بدافع الحب والعطاء بدافع الشعور بالذنب أو الخوف من الرفض أحيانًا نضحي ليس لأننا نريد ذلك من قلوبنا بل لأننا نخاف أن يقال إننا أنانيون أو لأننا لا نريد أن نُشعر من نحبهم بخيبة الأمل وهنا يجب أن نسأل أنفسنا هل نحبهم فعلًا أم نخاف من غضبهم ربما عندما نفهم هذا الفرق نستطيع أن نحب ونعطي بوعي لا بدافع العادة ونفكر في أنفسنا أيضًا ضمن هذا الحب
المشكلة الأكبر أن هذا الأسلوب في العطاء، حين يكون بدافع الخوف أو تأنيب الضمير يؤثر سلبًا على صحتنا العامة، ويجعلنا مع مرور الوقت نعيش بحالة من الاستنزاف النفسي والعاطفي، حتى دون أن نلاحظ! فنحن نظن أننا نحب، لكننا في الحقيقة ننهك أنفسنا باسم الحب، والحب الحقيقي لا يجب أن يترجم إلى تجاهل تام للذات، بل إلى توازن صحي نعطي فيه من القلب، دون أن نفرغ قلوبنا تمامًا مثل ما قالت لي جارتنا مرة: أنا طول عمري بسكت وبستحمل، لحد ما في يوم انفجرت وفضلت أعيط من غير سبب وساعتها بس فهمت إن قلبي كان تعبان وأنا مش واخدة بالي.
شكرًا لطرحك الصادق والمؤثر فعلاً كثير من الناس يعيشون هذا الصراع المؤلم بصمت بين الرغبة في البر والواجب وبين احتياجاتهم التي لا تجد من يسمعها أعتقد أن البر لا يجب أن يعني التنازل عن النفس تمامًا فالموازنة ضرورية وحتى التضحية تحتاج وعي وحدود من المؤلم أن يُفهم وضع الحدود على أنه عقوق بينما هو في الحقيقة حفاظ على القدرة على العطاء
نعم البر لا يعني أبدًا أن يُهمل الإنسان نفسه بالعكس من يقدر يوازن بين احتياجاته واحتياجات من حوله هو القادر فعلًا على العطاء بمحبة واستمرار والحدود لا تعني القسوة بل هي وسيلة لحماية العلاقة حتى تظل صحية وتحترم الجميع يمكن فعلًا نحتاج نعيد تعريف البر في مجتمعاتنا بحيث يكون أوسع وأوضح ويراعي الإنسان وطاقته وظروفه
أتفهم معاناة صديقتك، ربما فعلًا والدتها تحتاج إلى هذه الأموال لغرض مرضي أو حتى قضاء حاجات أساسية، وربما تكون صديقتك نشأت على أن تسدد احتياجات الغير قبل نفسها، أو يكون هذا هو مفهوم التضحية لديها، ما يحميها من التفكير المفرط والشعور بالذنب ليلًا.. لذلك، أنا أفهم ما تمر به صديقتك. ورأيي، هو مساعدة الأهل طبعًا ما دام ذلك مستطاعًا، ولكن التراجع عن تسديد احتياجاتنا الشخصية، سيصل بنا إلى مرحلة النفور لاحقًا من تلك المساعدات، التي كانت في البداية بغرض البر بهم أو لتجنب الشعور بالذنب. لذا، العطاء السليم هو بتسديد الاحتياجات الشخصية، وتحديد مبلغ مناسب للمساعدة، دون أن ينعكس بالسلب علينا (طبعًا هنا لا أتحدث عن حالات مرضية إجبارية، أو وجود ظروف عصيبة عن الأهل).
أتفق معك فمن المهم أن نفهم أن البر لا يعني أن ننسى أنفسنا تمامًا بل يعني أن نكون حاضرين بحب ووعي الإنسان إذا أهمل راحته وحدوده لن يستطيع أن يستمر في العطاء حتى لو كانت نيته صافية وأعتقد أننا بحاجة لتوسيع مفهوم البر ليشمل التوازن لأن البر لا يقاس فقط بعدد التضحيات بل بجودة العلاقة والاحترام المتبادل فيها ومن النقطة التي نغفل عنها أحيانًا أن الأهل أنفسهم قد لا يدركون أننا نرهق أنفسنا لأننا نظهر بصورة الشخص القوي دومًا ولو أننا عبرنا بلطف عن احتياجاتنا قد نجد منهم تفهمًا لم نكن نتوقعه الحديث الصادق أحيانًا يفتح أبوابًا مغلقة
الموضوع يطرح تساؤلات مهمة حول التوازن بين بر الوالدين والاهتمام بالنفس. من جهة، يُعتبر بر الوالدين واجبًا أساسيًا، ولكن من جهة أخرى، يجب ألا يأتي ذلك على حساب الصحة النفسية والجسدية للفرد. في كثير من الأحيان، يواجه الأبناء صعوبة في تحقيق هذا التوازن، خاصة عندما يشعرون بالمسؤولية تجاه والديهم، أنه شئ أشبه بالفطره يعتمد على الأخذ والعطاء
لكن من جهة أخرى، يجب ألا يأتي ذلك على حساب الصحة النفسية والجسدية للفرد
لكن ألا يفعل ذلك الأب والأم، هناك أمهات تعمل بخدمة البيوت ومسح البلاط طوال اليوم من أجل لقمة عيش لأولادها، لو فكرت بهذه الطريقة ستجلس في المنزل وتترك المسؤولية للأب ووفقا لدخله ولا مجال للتحسين، هناك آباء يعملون ب3 وظائف ويجري هنا وهناك ليوفر لهم حاجتهم، فلماذا لا يتحمل ذلك الأبناء عندما يحين دورهم خاصة لو كان الآباء بلا دخل
صحيح أن كثيرًا من الآباء ضحّوا لأجل أبنائهم، لكن البر لا يعني إلغاء النفس. العطاء لا يكون بتكرار نفس دائرة الإنهاك، بل بالاستمرار بتوازن ووعي، فحتى الآباء لا يريدون أن يحيا أبناؤهم بذات المشقة.
أكيد معك حق الوالدان بذلوا جهدًا كبيرًا وقدموا كل ما يستطيعون وهناك أمهات وآباء ضحّوا براحتهم من أجل توفير حياة أفضل لأبنائهم وهذا أمر لا يمكن إنكاره أبدًا لكن في الوقت نفسه الأبناء لديهم مسؤوليات كبيرة ويحاولون بناء مستقبلهم خطوة بخطوة ولا أحد ينكر أهمية المساعدة وبالطبع يجب أن يقدم الأبناء الدعم قدر استطاعتهم لكن من المهم أن يكون هناك توازن فإذا تحملوا كل شيء منذ البداية فقد يُنهكون ويؤثر ذلك على مستقبلهم الفكرة أن يكونوا سندًا لوالديهم وفي الوقت نفسه لا ينسوا أنفسهم لأنهم غدًا سيصبحون مسؤولين أيضًا عن بيت كامل وعن أطفال يحتاجون إلى دعمهم ورعايتهم فالتوازن ضروري حتى يتمكنوا من مواصلة حياتهم وتحمل مسؤولية أسرهم لاحقًا
الأمر يحتاج إلى توازن دقيق فعلًا فبر الوالدين واجب لا يُمكن التهاون فيه ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن نهمل أنفسنا أو نحمّلها فوق طاقتها من الطبيعي أن نشعر بالمسؤولية تجاه أهلنا ولكن علينا أن نساعد قدر استطاعتنا وإن لم نقدر فليس من الخطأ أن نوضح ذلك بلطف المهم أن تبقى نيتنا طيبة وحرصنا على رضاهم مستمر
أعتقد أن أهل صديقتك لم يفكروا في ذلك منذ 20 عاما حين كانوا يحرمون أنفسهم أيضا ليوفروا لها ما يكفي لتستمر في الحياة وتتعلم وتبني مستقبلها.
لا أقول أن الأمر يشبه الدين أو التعامل بالمثل، بل هو فقط عاطفة من منطلق الحب لا أكثر، والحب حين يملأ قلبك لا تلتفت لأي شيء آخر، فإن كانت تفعل ذلك من منطلق الحب والامتنان فعلا لأهلها فما المشكلة في ذلك، بالعكس فإن ذلك يُشعرها بالحب والسعادة، فلا مشكلة إذا !
بالفعل أكيد الأهل تعبوا وضحوا كثيرًا من اجل أولادهم وأنا شخصيًا أرى أن هذه الأمور لا تُنسى لكن في نفس الوقت ليس دائمًا الحب يعني أن ننسى أنفسنا تمامًا يعني ممكن أحب أهلي جدًا وأكون ممتنة لهم وفي نفس الوقت أفكر في مستقبلي واستقلالي وأحاول أجد توازن الحياة اليوم صعبة ومليئة بالضغوط وإذا لم يحاول الإنسان أن يوازن بين العطاء لنفسه ولأهله قد يتعب وينهار من الداخل فأنا أرى أن الحب الحقيقي ليس فقط تضحية هو أيضًا أن نحب أنفسنا ونبني مستقبلنا لكي نقدر أن نستمر ونكون دعمًا قويًا لاحقًا يعني باختصار الحب لا يعارض التفكير والامتنان لا يعارض التوازن وكل شخص له ظروفه فالأهم أن نفهم بعضنا ونراعي بعض دون أحكام قاطعة
صدقيني يا عزيزتي ،سوف يضاعف الرزق بين يدي زميلتك لتضحيتها امام والدتها وهذا بر صاف لا يشوبه اي منة أو تأفف وطبعا لا يمكن أن نغفل أن الله لا يكلف نفسا" الا وسعها ،لسنا مأمورين أن نرهق أنفسنا ولا المطلوب التفاني لتحصيل الكماليات ،يمكن اقتصاد المصروف والاكتفاء بالضروريات ولا نتعب لدرجة الاحباط وبالنهاية من ساواك بنفسه ما ظلمك
أعجبني أنك أشرت إلى أن البر لا يكون فيه منة ولا تعب يرهقنا لأننا أحيانًا نظن أن علينا أن نبالغ في التضحية لنعبر عن حبنا بينما الفكرة أبسط من ذلك فقط أن نفعل ما نستطيعه دون أن نكسر أنفسنا أو نحملها ما لا تطيق وما ذكرت عن الكماليات دقيق فهناك من يرهق نفسه لتوفير أمور غير ضرورية ومع الوقت يتحول العطاء إلى عبء بدلًا من أن يكون سكينة وأنا أتفق معك في أن البر رزق وأثره يعود على الإنسان بطرق متعددة قد لا تكون مادية لكنها تريح القلب
دائمًا ما أوضح أن هناك أمورًا لنا الحق في تفسيرها، وأمورًا أخرى علينا تقبّلها. حذاءٌ ممزق، ومبلغٌ يسدّ الرمق، وظروفٌ متشابكة تصطاد في ماءٍ عكر.
ما نراه في واقعه ليس كحقيقته. نسقط خلفياتنا على غيرنا، متوقّعين أن يصلوا إلى ما وصلنا إليه، فقط لأننا استطعنا شراء حذاء.
علينا إدراك أن رفاهية الشبع ليست حقًا للجميع، وأن ما يُكمل شيئًا لا بد أن ينتقص من غيره، إن لم يكن هناك مجالٌ للزيادة. محاولة ترميم ذلك تتطلّب جهدًا، قد لا ترى أثره إلا في حذاءٍ ممزق، أو عملٍ بدوامٍ جزئي.
أولوياتنا تختلف، لا حسب ما نملك، بل حسب ما تجيزه الظروف. كان بالإمكان غلق الهاتف، ولن تسمع الأنين. كان بالإمكان أن تعيش كما تحب. ذلك المبلغ الضئيل كان ليجعلها ملكة نفسها.
كنتما زميلتين، ماذا تعرفين غير حذائها الممزق؟ وأنتِ، إن لم تساعدي أهلك، هل سأَتّهمك بالأنانية؟ واقع الأمر لا. فأنا لست قاضيًا، ولا أملك سلطة تشريعية ولا تنفيذية.
لربما كانت حالتك مستقرة، وكذلك حال عائلتك، وهذا لا يجيز لنا أن نفرض تحيزاتنا الإدراكية على غيرنا.
أنا لم أنزعج من قولك، بل ذكّرني بأناس يدّعون أنهم بدأوا من الصفر، وقد خرجوا من التعليم مبكرًا، وبما أنه حقق ثروة، يخاطبك بأنه يمكنك تحقيق المليون الأول في أقل من ثلاثة أشهر، ونسي أن يذكر علاقات والده كمستثمر في وول ستريت.
عندما تنظرين إلى حالة زميلتك بإسقاط وضعيتك عليها، فسيصبح من حق المليارديرات أن يلصقوا بنا صفة "العبيد"، ويتساءلون: كيف لنا ألّا نتناول الكافيار؟
__________________
توضيح: هذا الرد يُقدَّم على مضمون الطرح، وليس موجهًا كشخصنة أو هجوم. من المهم أن نتعامل مع الواقع كما هو؛ فنحن لا نعيش في مدينة فاضلة، وقد يوجد بالفعل أهل يتّسمون بالاستغلال، لكن ذلك لا ينفي وجود النموذج الرئيسي، يتمثّل في محبة لا تضاهيها محبة، وهي محبة الأهل، حتى وإن انحرفت فطرة بعضهم في ظروف معينة.
الاهتمام بالنفس لا يُعد أنانية، لكنه بحاجة إلى توازن. فالنظر إلى الأمور بمنظور أوسع يجعلنا ندرك أن الحياة قصيرة، وأن فرص بناء أو ترميم الثقة في العلاقات، خاصة العلاقات القائمة على رابطة الدم، ليست كثيرة. الحفاظ على هذه الثقة هو مسؤولية متبادلة، تتطلّب وعيًا ومرونة.
لفتتني نقطة مهمة في كلامك وهي أننا أحيانًا نحكم على الآخرين من خلال تجاربنا الخاصة فنظن أن ما مررنا به هو الطبيعي أو المعيار للجميع مع أن الواقع مختلف من شخص لآخر أيضًا حديثك عن الأولويات مهم جدًا فهناك أشياء نراها رفاهية لكنها عند غيرنا من أساسيات الحياة ولهذا من الضروري أن نربط بين العطاء والقدرة بوعي ومسؤولية أما فكرتك عن التوازن فهي جوهر كل شيء نقدم ما نستطيع دون أن نرهق أنفسنا وندرك أن الحب لا يعني دائمًا التضحيات الكبيرة بل قد يكون في البساطة في الحضور وفي مراعاة الآخر بلطف
كثيرون يظنون أن "البر" هو طاعة مطلقة، حتى لو جاء على حساب النفس والعمر ،
لكن البرّ الحقيقي لا يعني أن نُلغِي أنفسنا،
ولا أن نتحمّل ما لا طاقة لنا به، في سبيل "صورة" اجتماعية أو توقعات غير منصفة.الفرق بين من يساعد أهله عن حب ورضا وبين من يُستنزف باسم البرّوالأقسى من ذلك، حين يُصبح صوته غير مسموع، لأنه "الابن الطيب يكون أجمل ما يمكن أن نقدّمه لمن نحبّ، هو التوازن....وبعض الاشخاص يتمتعون بفضيلة الإيثار الإيثار هو أن تُقدّم غيرك على نفسك فيما تحبّ وتحتاج، رغم حاجتك إليه.لكن إن تحول إلى تضحية مؤذية للنفس بشكل دائم، أو وسيلة يستغلّ بها الآخرون طيبة الإنسان، يصبح عبئًا لا فضلاً..قال تعالى:
{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}
الوالدين هم أغلى ما نملك، وحقهم علينا كبير لا يُقدّر بثمن، ومن أجلهم يستمد الكثيرون قوتهم وصبرهم رغم كل الصعاب. البرّ لهم واجب مقدس، لكن الحب الحقيقي يبدأ من أن نعتني بأنفسنا لنستمر في العطاء لهم بكل إخلاص. عندما نحب أنفسنا، نصبح قادرين على حبهم ورعايتهم بشكل أفضل. فلتكن قلوبنا ملاذًا لهم، وأيدينا قوية تحملهم برحمة وحكمة. الله يرزقنا القوة الدائمة لنكون لهم السند والراحة، ويجعل طاعتهم طريق سعادة لقلبنا.
صحيح أحيانًا ننسى أنفسنا تمامًا ونحن نحاول أن نرضي والدينا ونكون بجانبهم دائمًا وهذا نابع من حب كبير لكن الحقيقة أن الإنسان إذا أهمل نفسه سيتعب ومع الوقت لن يستطيع أن يعطيهم كما يريد لذلك حب النفس ليس أنانية بل هو خطوة مهمة حتى نقدر نستمر ونقدم لهم الرعاية والحنان بكل طاقة وصدق وكلما كنا مرتاحين داخليًا سنكون أقوى لهم وسندًا حقيقيًا
مساء الخير اخت مي ...
اتابع مشاركاتكِ و مناقشاتك منذ مدة ، ووددت لو أن لي الوقت الكافي لأكون جزءاً منها ، حقيقةً رغم تحفظي واختلافي معكِ في بعض آرائكِ حول ما يُطرح ، لكنني معجب جداً بمرجعيتك الاسلامية الواضحة التي تنطلق منها تصوراتكِ ورؤاك ِو افكارك ِ.
مساء الخير استاذ حامد شكرًا علي كلماتك الطيبة وسعيدة جدًا بمتابعتك حتى وإن كنا نختلف في بعض الآراء فهذا طبيعي وأتفق تمامًا أن المرجعية التي ننطلق منها تصنع فرقًا كبيرًا في طريقة التفكير والتحليل وأنا أقدّر جدًا أي شخص يضيف وجهة نظره مهما كانت مختلفة يسعدني وجودك وتفاعلك وأتطلع لأي نقاش قادم يجمعنا بإذن الله
مقال رائع جدًا!
وانا ضد الانسان الدي يحمل نفسه مالا تطيق من اجل الآخرين بالمناسبة، كتبت أول مقالة لي عن وجبات خفيفة لمرضى السكري، يسعدني رأيك فيها 🌿”
انا حتى الان لم أستقل بذاتي حتى أقدم اي مساعدات مادية لوالدي، و عندما استطيع أرى انني سأفعل اي شيء لاجل امي، اما ابي ورغم انه قد قام بدور الاب من الجانب المادي، إلا انه عاطفيا كان بحاجة لبعض النضج، او الكثير منه، فجهله بنفسية الطفل وما يحتاج اليه من دعم جعلني امر بعقد نفسية أثرت علي كثيرا رغم محاولات امي لتغطية غياب دور الاب المعنوي رغم وجود ما يسمى ابي في المنزل طوال اليوم، وما لايمكن انكاره هو انني في فترة اكره ابي و انتظر بفارغ الصبر ان استقل بذاتي واغادر المنزل للابد، لكن عندما ارى امي وادرك ان ذلك سيوجعها، اتردد وأتسأل "هل ابقى هنا اتحمل جهل ابي او أستقل واعيش حياتي بسلام؟"
ابي يملك راتبا شهريا ومع ذلك لا يستطيع صرفه بالطريقة الصحيحة هذا ما يجعلنا نغرق بديون تقع على عاتق امي وحدها لذا فهي من تفكر بالعواقب وتحاول جاهدة دفعها بمهنتها المتواضعة إضافة لذهبها الذي قد باعته سلفا ، ورؤيتها تعاني هكذا رغم صمتها تجعلني اكره ابي اكثر وبالمقابل تزيد رغبتي في العمل لأعيد لأمي كل قرش خسرته لاجلنا.
لذا ارى انه امر متعلق بارتباط المرء عاطفيا بوالديه، انا لن انكر انني سأرغب بمساعدة ابي لوكان في فقر مدقع لكن ليس على حساب نفسي ابدا، اما امي فسأعطيها عيني لو تطلب الامر ذلك.
أقدّر شجاعتك في التعبير عن مشاعرك خاصة حين يتعلق الأمر بالأب فالمجتمع كثيرًا ما يفرض علينا صورة مثالية عن الوالدين حتى إن كانت الحقيقة مختلفة ما ذكرتِه عن الجهل العاطفي مهم جدًا فبعض الآباء يظنون أن دورهم يقتصر على توفير المال ويغفلون عن احتياج الأبناء للدعم النفسي والعاطفي هذا الغياب يترك أثرًا عميقًا حتى لو كانت الأم تبذل جهدًا كبيرًا لتعويضه صراعك بين رغبتك في الاستقلال وحرصك على والدتك مفهوم تمامًا لكن من حقك أن تختاري راحتك النفسية فبقاؤك في بيئة تؤذيك لن يفيد أحدًا حبك لوالدتك واضح وأسأل الله أن يعينك على رد الجميل بطريقتك الخاصة أراك تمضين في طريق الوعي والنضج ومحاولتك لفهم مشاعرك بصدق تدل على قوتك
التعليقات