استبرق عيساوي

كاتبة مستقلة شغوفة بالكلمة، أجد في الحروف ملاذًا للتأمل والتعبير. أكتب لأن الكتابة تعرّفني على نفسي، وأشارك لأبقى على تماسّ مع العقول التي تؤمن بقوة الفكرة وصدق الشعور.

101 نقاط السمعة
2.16 ألف مشاهدات المحتوى
عضو منذ
1

هل يمكن لنظرة عابرة أن تهزّ يقينًا عمره سنوات؟

كانت آية تؤمن أن العالم يسير على سكة واحدة، لا مجال فيها للانحرافات أو الأحلام. فتاة في السابعة والعشرين، تعمل بدوامٍ كامل في شركة تسويق، توقظها الساعة كل يوم عند السادسة، تشرب قهوتها المرّة دون سكر، وتنتظر الحافلة رقم 7:45 لتأخذها إلى المكتب، تجلس على نفس المقعد، تراجع البريد الإلكتروني، وتبتسم باحتراف لمن يستحق ابتسامة موظفة. لم تؤمن يومًا بالحب، ولا بالمصادفات. بالنسبة لها، الحب رفاهية لا تليق بأمثالها، والقصص التي تُروى عن "نظرة قلب" تضحكها. ثمة خطوط غير مرئية
6

لماذا تبدو الأشياء الأشد وهجًا أكثر وحدة؟

أفتح عيني على ضوء أصفر يغمر الغرفة. تتراقص خيوط الشمس على زجاج نافذتي كأنها فتيات صغيرات، يتهامسن ويضحكن في هدوء. في هذه اللحظات، أحب التأمل في الضوء، كأنه يأخذني إلى عالمٍ هلاميٍّ شفاف، لا أُمسك فيه بشيء، ولا أحتاج أن أفعل. يُرهق فكري بندول الساعة، وهو يعلن أن أمامي خمسًا وأربعين دقيقة فقط للاستعداد. لكنني أبتسم، فقد تعلّمت أن الوقت أحيانًا ليس عدوًا، بل منبّه يُذكّرك بأنك كائن حيّ، لك نبض وحضور في هذا العالم. أنهض بتثاقل، جسدي يترنح كشعلة
2

"هل سبق وتأملت حديثك مع نفسك؟ هذه مرآتي تنطق بصوتي الداخلي... فماذا ترى مرآتك فيك؟"

أنا مِن كَسَتِ الأوجاعُ أَضْلُعي، وَكَوَتْ آهاتُ السِّنينِ الدِّماءَ. وإنْ كانتْ أرضُ غَزَّةَ دارَ مَعْرَكَةٍ، فقلبي ساحةٌ لِلمعاركِ مُجْتَمِعًا. وَقَفَتْ مآسي الحياةِ تَنْتَحِبُ أني لَذُقْتُ ما ذاقَه الحديدُ، ذاباً مُتَجَمِّرًا. لا اللَّيْلُ ولا البِيداءُ تَعْرِفُني، لكنَّ العَلِيَّ في مَحضَري ذَلِيلٌ مُتَجَلْجِلًا. قِيَمي شُهُبٌ مِن نورِ الشَّمسِ ساطِعَةٌ، وأَخْلاقي لِبَليدِ العَقْلِ حَقْلٌ مُتْرَفٌ. وإني لَعَفِيفُ النَّفْسِ مُزْهِرَةٌ، لِدَنِيءِ العَيْنِ واديًا مِن جَهَنَّمَ مُوقَدًا. لا أَتَّخِذُ الوَسَطَ مَسْكَنًا، فإني على الجَانِبَيْنِ أَنْصِبُ وأَحْكُمُ مَلْعَبًا. فلا تَنْسُبَنَّ إِلَيَّ مِن لَغْوِهِم مَشْهَدًا، وَازْهَدْ، فإنَّ
4

حوار مع ساعة مكسورة

في ركنٍ هادئ من المدينة، بين دكاكين شبه منسية، جلست "شهد" ذات الرداء البني الباهت والمريلة البيضاء، خلف طاولة خشبية في محل صغير يبيع ساعات كلاسيكية متأنقة بشدة. كانت تضبط ساعة حائط قديمة، عندما دخل رجل مسنّ يحمل ساعة جيب متهالكة. وضعها أمامها وقال بلهجة ساخرة: — هل تستطيعين إقناع الزمن بالتراجع خطوتين؟ نظرت إليه وابتسمت: — للأسف، أنا أصلح الساعات لا نوايا الزمن. جلس على الكرسي المقابل، وأخذ يتأمل جدارًا تملؤه ساعات تدق، كلٌ منها في توقيت مختلف. —
1

عطر الواقع من زنبق الأحلام

شخصٌ ما يسلّط الضوء على عينيّ، لأفتحهما ببطء قاتل، وكأنّه يخشى أن يكشف لي الرؤيا. فانوس صغير يستقر فوق وجهي، وصوتٌ ناعم يسبق ملامحه. فتى في مقتبل العمر، متوسط القامة، شعره داكن كأنه احترق للتو، وعيناه بلون العسل، تتدلّى من أذنيه حلقتان تشبهان حلقات كوكب زحل بلونٍ أخضر، وبعض اللمعان يتناثر فوق شفتيه. بدا حسن المظهر بطريقة غريبة تشبه الحكايات. قال بصوت هادئ: "أرجو المعذرة يا آنسة، لم أنتِ نائمة في العراء؟ هل أستطيع مساعدتك؟" رفعت رأسي بتردد، ما زلت
1

وردة في فم الصمت

      : ليس كل من يصمت غائبًا، ثمة من يملأ الصمت حياة، ويمرّ خفيفًا كأنه لا يحتاج سوى أن يُترك على طبيعته… ريما واحدة منهم. _____ "ريما!! ألا تريدين مساعدة والدك اليوم في الحظيرة؟ إنه يرغب في أن تعتني بالدجاج." تمدّدت ريما على شرفة غرفتها بلا رغبة ولا هدف، كأنها ذكرى هشة. جسدها النحيل متكاسل، وشعرها البندقي ينسدل حولها بكثافة. استرسلت في صدى صوت والدتها وهي تحرك عينيها بكسل، وضحكت بخفة حين تذكّرت أنه يشبه صوت بوق الفايكنغ. هزّت رأسها لتطرد
1

بين نبضة وفكرة... حديث لا يُقال

حين يصمت العالم من حولك، تبدأ الضوضاء في الداخل، وبين قلبٍ يريد، وعقلٍ يختار... تُولَد قرارات لا تُشبهنا أحيانًا. --- (يرن الهاتف...) – ألو؟ – مرحبًا... كيف حالك؟ – بخير... نوعًا ما. – لا أعرف لماذا اتصلت بك. – ربما أنا أعرف. – هل ما زال يحبني؟ – ربما... لا أحد يعلم حقًا. – وهل تحبه أنت؟ – مؤخرًا، لم أعد أُعير الأمر اهتمامًا كما في السابق. – هل تعاني مما كنا نعانيه؟ – تشابه طفيف ... لكن ليس بنفس
4

كنت في الماضي

أجرُّ قدمي في زقاقٍ دامس الظلال، تلفحني نسماته الباردة والمعتقة بالغبار. صدى وقع أقدامي يرنُّ في أذني، كأنني أُعلن وجودي في مكانٍ نسيه الجميع. أسير بإصرارٍ ضد تيارٍ يدفعني بوحشية، وفي لحظات عجزي الأخيرة، تتراءى لي بوابة خشبية باهتة الطلاء، تتخللها شقوقٌ عميقة. أسحبها بقبضة متراخية، فتُبكي مفاصلها بصريرٍ عالٍ. ثمة كائن عند الزاوية... هل هو بشري يا تُرى؟ صغير الكتلة، ذو شعرٍ كثيف وأملس، مهمل المظهر. يبدو أنها فتاة. نعم، هي فتاة. أنظر إلى عينيها؛ إنها منطفئة، وملامحها جامدة. أفيق