كانت آية تؤمن أن العالم يسير على سكة واحدة، لا مجال فيها للانحرافات أو الأحلام. فتاة في السابعة والعشرين، تعمل بدوامٍ كامل في شركة تسويق، توقظها الساعة كل يوم عند السادسة، تشرب قهوتها المرّة دون سكر، وتنتظر الحافلة رقم 7:45 لتأخذها إلى المكتب، تجلس على نفس المقعد، تراجع البريد الإلكتروني، وتبتسم باحتراف لمن يستحق ابتسامة موظفة.
لم تؤمن يومًا بالحب، ولا بالمصادفات. بالنسبة لها، الحب رفاهية لا تليق بأمثالها، والقصص التي تُروى عن "نظرة قلب" تضحكها. ثمة خطوط غير مرئية في الحياة، من خُلق على ضفة الثراء لا يعبر إلى ضفة الفقر، ومن وُلد على هامش الحاجة، فمكانه ليس في قلب الحكايات الكبيرة، بل على أطرافها، متفرجًا صامتًا ، كانت تقولها كثيرًا، وكأنها تعويذة تحفظ لها كرامة البسطاء .
لكن صباح ذلك الثلاثاء، تغير كل شيء.
كانت السماء رمادية، والبرد يتسلل من أطراف أكمام معطفها، وحين وصلت إلى مترو الأنفاق، وجدت الزحام أكبر من المعتاد. دفعت نفسها بصعوبة بين الناس، تبحث عن ركنٍ تقف فيه دون أن تتلقى دفعة كل خمس ثوانٍ.
وفي تلك الفوضى، حدث أن رفعت رأسها.
وبين وجوهٍ لا تنتهي، لمحت وجهًا واحدًا... وجهه.
شاب ثلاثيني ، بشعرٍ أسود تغزوه الفوضى، عيونٍ واسعة و براقه ، بين الرمادي والعسلي، كأن الضوء قد قرر أن ينعكس فيها وحدها. كان واقفًا بثبات في وسط العربة، يقرأ كتابًا صغيرًا بتركيز، وشفته السفلى مشدودة قليلاً كما لو أنه يحاول أن لا يبتسم لما يقرؤه.
لكن ما جعل قلبها يرتجف لم يكن وسامته... بل اللحظة التي رفع فيها عينيه نحوها.
نظرت إليه... فنظر إليها.
كأن العالم كله تجمّد. اختفى صوت المترو، اختفى الازدحام، سكن الهواء كأنه توقف عن التنفس. لم تكن مجرد نظرة، كانت موجه كهربائية عبرت عينيه إلى صدرها، عبثت بانتظام دقاتها، وجعلتها تشك بكل منطقها البارد.
اللمعان في عينيه لم يكن عادياً، وكأنهما تقولان شيئًا، شيئًا لا تترجمه الكلمات، فقط يُشعر.
أرادت أن تقترب، أن تقول له أي شيء — حتى ولو كان "صباح الخير" بلا مناسبة — لكنه في اللحظة التي ترددت فيها، دخل مزيد من الركاب، وانزاحت بين الأجساد، ووجدت نفسها خارج العربة، تُغلق الأبواب أمامها وهو ما زال في الداخل، ينظر إليها عبر الزجاج.
نظرة... واحدة. لكنها كانت كافية لتقلب سنوات من اليقين.
اختفى القطار. وتلاشى وجهه. لكنها بقيت واقفة، يداها متجمّدتان، وصدرها يعجّ بأسئلة.
أهو حقيقي؟
هل شعَرَ بما شعرت؟
وهل حقاً... يمكن لنظرة واحدة أن تُشعل قلبًا لم يعرف الدفء منذ زمن؟
لم تعرف الجواب بعد. لكنها لأول مرة في حياتها... تأخرت عن دوامها .
_______________________
> فما رأيك أنت؟ هل تؤمن أن نظرة واحدة قد تختصر مشوار القلب كله؟ أم أن الحب الحقيقي لا يولد إلا بالتراكم والمعرفة؟ شاركني رأيك، فقد تكون قصتك بدأت بنظرة أيضًا... 👀❤️
التعليقات