: ليس كل من يصمت غائبًا،
ثمة من يملأ الصمت حياة، ويمرّ خفيفًا كأنه لا يحتاج سوى أن يُترك على طبيعته…
ريما واحدة منهم.
_____
"ريما!! ألا تريدين مساعدة والدك اليوم في الحظيرة؟ إنه يرغب في أن تعتني بالدجاج."
تمدّدت ريما على شرفة غرفتها بلا رغبة ولا هدف، كأنها ذكرى هشة. جسدها النحيل متكاسل، وشعرها البندقي ينسدل حولها بكثافة. استرسلت في صدى صوت والدتها وهي تحرك عينيها بكسل، وضحكت بخفة حين تذكّرت أنه يشبه صوت بوق الفايكنغ.
هزّت رأسها لتطرد تلك التخيلات، ثم نهضت بخطى واسعة نحو الحظيرة. بعد خطوات قليلة، تساءلت: كيف سيكون العالم بلا أصوات؟ ما هي اللغة التي يمكن استخدامها للتعبير؟ لايمكن منادات أحدهم بالإشارات… هل سنحتاج لاختراع جهاز خاص؟ من يدري؟
نقرت إحدى الدجاجات على قدمها تطالبها بالطعام، فانحنت ريما ونثرت حبوب الذرة بسخاء، بينما كانت السماء تمطر بخفة.
وعندما همّت بالعودة، لمحت فرخًا صغيرًا حديث الولادة، يحاول بصعوبة أن يغوص تحت جناح أمه. توقّفت، ونظرت إلى عينيه. فيهما شيء لم تفهمه فورًا: ضعف، لكن تحته قوّة خفية، عناد طفولي، وإصرار.
شعرت بشبه غريب… هذا الكائن الصغير لا يتكلم، لكنه فهم ما يريد، ووصل إليه.
أليس هذا ما أعجز عنه؟ كانت تظن أن مشكلتها ضخمة، أنها لا تجيد التعبير حتى بلغة الإشارة… لكنها الآن بدأت تشكّ في فكرتها.
في طريق عودتها، أمسكت بدفتر قديم وبدأت ترسم… لم تفكر كثيرًا، فقط تركت يدها تتحرك.
دجاجة، فرخ، عينان صغيرتان فيها شيء من التحدي.
دخل والدها الغرفة، ولم تقل شيئًا. فقط أرتْه الصورة.
توقف، حدّق فيها، ثم ابتسم وقال:
"أظن أنكِ تملكين صوتًا... فقط مختلف."