في ركنٍ هادئ من المدينة، بين دكاكين شبه منسية، جلست "شهد" ذات الرداء البني الباهت والمريلة البيضاء، خلف طاولة خشبية في محل صغير يبيع ساعات كلاسيكية متأنقة بشدة.

كانت تضبط ساعة حائط قديمة، عندما دخل رجل مسنّ يحمل ساعة جيب متهالكة.

وضعها أمامها وقال بلهجة ساخرة:

— هل تستطيعين إقناع الزمن بالتراجع خطوتين؟

نظرت إليه وابتسمت:

— للأسف، أنا أصلح الساعات لا نوايا الزمن.

جلس على الكرسي المقابل، وأخذ يتأمل جدارًا تملؤه ساعات تدق، كلٌ منها في توقيت مختلف.

— غريب كيف أن لكل ساعة عنادها الخاص... كأن الزمن عند كل واحد منا يسير بخطى مختلفة.

ردّت شهد وهي تفحص الساعة:

— ربما هو كذلك. البعض يركض، البعض يتثاءب، والبعض الآخر يختبئ تحت السرير.

ضحك العجوز:

— أنا أظنه يراقبنا فقط، ويضحك حين نركض خلفه.

سكت قليلًا، ثم قال:

— تعلمين؟ في صغري كنت أظن أن امتلاك ساعة يعني امتلاك الوقت. الآن أملك ثلاثين ساعة... ولا وقت.

أغلقت شهد الساعة المكسورة وقالت، بابتسامة جانبية:

— الزمن لا يحب أن يوضع في صندوق... كلما حاولنا إحكامه، أفلت من بين أيدينا بشكل أنيق.

ضحك العجوز بخفة وهو يستدير نحو الباب:

— ولهذا أرتدي ساعة لا تعمل… على الأقل، لا تكذب علي.

لوّح لها بعصاه، وخرج بخطى بطيئة، كأن الزمن يمشي معه لا عليه.

تأملت شهد الساعة المهملة على الطاولة، ثم همست:

— تبدو مرتاحة… ربما لأن لا أحد يطلب منها الركض.