وحيد ينتظر رنين الهاتف في أرجاء الحي الجامعي بين صديقين،أحدهما يهتم بأمر الطاجين،والآخر يلف سجارته المحشوة بالحشيش ويسألني دوما باستغراب:

_محمد،أنت مولود في كتامة ولا تدخن الحشيش؟هذا مثير،إنها وسيلة فعالة للثور ضد هذا العالم،يقولها بلكنة وزانية بائسة...

في كل مرة لا يكون لدي جواب مقنع،لكن أفضل السبل للنجاة، هي الإجابة بطريقة فوضاوية لا أساس لها... 

_تدخين الحشيش وسيلة العاهرات للثور ضد هذا العالم،الرجال لا يفعلون ذلك...

يغرق عمر في نوبة ضحك هيستيرية،لتظهر أسنانه السوداء المهترئة،وتجاعيد وجهه وبعض قطرات الدموع التي نزلت إثر الإفراط في الضحك،كلها بنظرة تأملية خاطفة،كانت رموز مثالية لتجسيد معاناة هذا الشاب الصغير...ربما هو يحاول الهروب من شيء ما...لا أدري...

إنه ثرثار بشكل مزعج لكنه صديق يعول عليه،لقد عزمني على الغذاء في العديد من المناسبات،إنه مثل إمرأة قروية حقيقية في ظهي الفاصوليا والعدس،لقد كان يناديه أحدهم إثر هذه الموهبة التي يمتلكها بلالا حليمة،وكان يجيبه هو الآخر(لالا حليمة هي مك)... 

هو كان يضحك بعفوية،أما الآخر فكانت ملامحه توضح ضيق صدره وقلبه،لم أكن أطيقه منذ الوهلة الأولى،لقد كان يكلف نفسه التحدث بلهجة طنجاوية مؤنثة،ويحكي قصصه الوهمية مع البنات،ويحاول أن يتحدث في كل شيء ويناقش كل شيء،إنه فعلا يبدو كالعاهرة في كلامه وأفكاره...

عمر رغم بساطته إلا أنه لا يخلو من الحدة،في كل مرة كان يردد على مسامعي بنبرة وحشية قاسية:إن بقينا في أفريقيا سنعيش حياتنا كلها في طور الإنتظار...إنني هنا أشعر بالألم كل يوم...