مع أن هذا النوع من الأفلام ليس المفضل لدي، إلا أنني شاهدته كون الممثل ليوناردو دي كابريو هو البطل، ولم يخب ظني. يتناول الفيلم قصة نجاح رجل أعمال سابق يدعى "جوردن بلفورت"، وهو في الأصل مستوحى من مذكراته. انتقل جوردن من كونه رجل فقير إلى ملياردير، حتى عاد وسقط سقوطا مدويا بعد أن انخرطت شركته في قضية احتيال كبيرة عرضته للمحاكمة والسجن بتهم فساد وغسيل أموال.
ترد على لسان بلفورت مقولات عدة حول أهمية المال في الحياة ويتضح بسهولة كم أنه شخصية مادية، لأنه يعرف ما معنى أن يكون الشخص فقيرا، فيقول في أحد المشاهد " لا يوجد نبل في الفقر، فقد جربت الاثنين، وسأختار أن أكون غنيا دائما"، ويقول في مشهد آخر:"أريدك أن تحل جميع مشاكلك بالثراء". فحبكة الفيلم تعكس كمية الرفاهية والراحة التي توفرها الأموال، حتى يفقد بلفورت كل ثروته في نهاية المطاف بسبب الطريق الذي سلكه حبا في زيادة ثروته وتوسيع مشاريعه، فالإنسان فعلا لا يكتفي. فلذلك لابد أن يعيد المشاهد النظر في قناعته حول المال والثروة، وقد يسأل نفسه، هل المال نعمة أم نقمة؟
فنحن دائما ما اعتدنا، ولو بشكل غير واعي، على ربط الثراء بالفساد والانحلال الأخلاقي، وربط الفقر بالبساطة والصدق، فنسمع عبارات مثل "اللهم أعطنا خبزنا كفاف يومنا" أو "الفقير عوضه في الآخرة بينما الغني متعته على الأرض". وقد يكون للمال جانب سلبي لا يمكن نكرانه، فعندما تصبح غنيا، قد يعميك الجشع بالمزيد وتتاح أمامك خيارات لا أخلاقية أكبر وأكثر إغراء. فما الذي يتيح أمامنا ملذات الحياة التي تغرقنا أكثر من المال؟ بينما الفقير، فهو مشغول بفقره وتأمين أبسط حقوقه الحياتية، ويجد في الإيمان عزاء يقويه على معاناته، فيقنع نفسه بالصبر على الدنيا لأن الآخرة هي عوضه، ويعزي نفسه بأن المال ليس كل شيئ.
والمال فعلا ليس كل شيئ، ولكنه يؤثر في كل ما هو مهم. فهو يقرر نمط حياتنا، قدرتنا على العناية بنفسنا وبمن نحب، وحتى يساهم بشكل كبير في تحديد مستوانا التعليمي والثقافي، كما يفتح لنا أبواب كثيرة في الحياة ويتيح لنا الفرصة والوقت لنكتشف أمور لا يتسنى للشخص الفقير اكتشافها. والمال كأي شيئ آخر في الحياة، له الوجه السلبي والوجه الإيجابي، فما ذنب المال إن استعمله البعض بشكل خاطئ؟ أفلا يوجد كثر كرسوا ثروتهم لخدمة المجتمع واستفاد منهم مئات من الناس؟ فالمال فقط يتيح مغريات لا يضعف أمامها إلا من هو فاسد في الأعماق، وعباراة "المال ليس مهما" هي مجرد كذبة نكذبها لنعزي أنفسنا.
فهل الثراء والمال فعلا يفسدان الإنسان؟ وهل عبارة "المال لا يهم" مجرد كذبة اختلقها الفقراء؟ وهل برأيكم قناعاتنا السلبية عن المال هي سبب يعرقل تحقيقنا للثراء أو الوفرة المادية؟
التعليقات