هذه تجربة مررت بها في بداياتي، وأردت أن أشاركها اليوم، لا لأنها حزينة فقط، بل لأنها علّمتني كيف نحمي ذواتنا في عالمٍ لا يرحم الحالمين.

كانت بداية خجولة.

لم أكن قد دخلت عالم المنصات الرقمية بعد، ولا عرفت شيئًا عن التسعير أو العقود أو "قيمة الوقت".

كنت فقط أكتب.

بكامل الشغف، بكامل الصدق.

جاءني ذلك الشخص يطلب شيئًا بسيطًا:

"اكتبي لي قصة".

بصوته الهادئ، طلب رؤية أسلوبي.

فأعطيته أكثر مما طلب.

كتبت له قصة كاملة. طويلة.

حوالي 4500 كلمة.

ليست مسوّدة. بل قصة متكاملة، كتبتها وكأنني أكتب حلمًا أحمله منذ سنوات.

لم أكن أفكر في المال وقتها. كنت أريد أن أثبت لنفسي فقط أنني أستحق أن أُجرَّب.

وعندما حان الوقت وسألني: "كم تريدين لعمل مماثل؟"

قدّمت رقمي بتردد. لم يكن مرتفعًا، ولم أرفعه اعتدادًا، بل بميزان الحرف والتعب والليل الطويل.

لكنه لم يناقش السعر.

قال فقط كلماتٍ قاسية.

ليست كلمات نقد موضوعي. بل كلمات "تُشعرُك أنك تافه".

أنك لا تعرف، وأنك لست جيّدًا بما يكفي.

أنك ربما تُبالغ في تقدير نفسك.

ضحك وهو يقولها.

لكنني لم أضحك.

ابتسمت خارجيًا، وأغلقت المحادثة.

ثم بكيت.

لم أبكِ عليه.

بل على نفسي.

كيف وثقت بهذا الحلم الصغير، وقدّمته بيديّ لمن لم يكن يرى فيه شيئًا؟

الألم الحقيقي لم يكن في كلماته.

بل في الصدى الذي تركه في داخلي.

توقفت عن الكتابة لأيام.

لم أعد أفتح الملفات، لم أعد أؤمن أنني أستحق حرفي، أو أن لحكايتي معنى.

كلّ ذلك… من تعليق واحد. من شخصٍ لن يتذكره بعد أسبوع.

🎯 ما تعلّمته لاحقًا:

أن بعض الناس لا يعرفون كيف يقولون "لا"، فيكسرونك بدلًا من ذلك.

أن تقديم عمل مجاني لا يعني التنازل عن احترام الذات.

أن المبدئيات النقيّة، حين تُوضع في سوقٍ لا يعرف النقاء… تُؤذى.

وأنك حين تبني حلمك، من حقك أن تحميه، لا أن تهبه لكل طارق باب.

هل مررتَ يومًا بتجربة مشابهة جعلتك تشكّ في موهبتك أو مشروعك بسبب تعليق شخص واحد؟

لماذا نسمح للغرباء أحيانًا أن يكونوا أكثر تأثيرًا من أقرب الناس إلينا؟

إلى أي مدى يجب أن نؤمن بأنفسنا في بداياتنا، حتى ونحن نتخبط؟

هل يستحق العميل دائمًا أن يأخذ "نسخة كاملة" من إبداعنا كي يحكم؟

أكتب هذا بعد مرور وقت على التجربة.

ما زالت توجعني حين أتذكرها. لكنني ممتنة لها…

لأنها كانت أول درس:

أن الحبر غالٍ.

وأن الثقة… لا تُقدَّم مجانًا.