دائمًا ما أتردد في عرض هذه الكلمات. لا أعرف هل سيراني الناس بعدها بنفس النظرة، أم لا؟

بينما أسير في طريقي إلى الجامعة، كان الجو باردًا، ونسيم الشتاء يلسع وجهي، فشددت قبعتي المتصلة بالسويت شيرت على رأسي كي أحتمي من قساوة الهواء.

حتى قطع تفكيري صوت صراخ.

سيدة في الثلاثين من عمرها ترتدي عباءة سوداء وتصرخ في وجه طفلها الذي يبدو من هيئته أنه لم يبلغ الخامسة من عمره بعد بكلمات لم أسمعها جيدًا ثم صفعته على وجهه.

أنزلت القبعة من على رأسي لأسمح لكلمات السيدة أن تصل إلى أذني.

فكانت تقول: "بطل عياط زهقتني"، وصفعته مرة أخرى فازداد بكاء الطفل، فقالت وهي تصفعه للمرة الثالثة بعدة صفعات: "هفضل أضرب فيك لحد ما تبطل عياط".

في تلك اللحظة، كأن الزمن توقف داخل عقلي، وعاد إلى ذكريات طفولتي.

كان والدي دائمًا يضربنا بقسوة ويسبنا بأبشع الكلمات حتى إن جسدي مازال يتشنج عندما أسمع تلك الكلمات في الشارع.

لقد كان يوم حظي إذا قرر والدي أن يسبني أو يصفعني على وجهي فقط، ولكن في بعض الأحيان عندما أفعل شيئًا يراه خطأ كبيرًا فيقول لي: "أنا هوريك" ويقوم من مكانه.

كنت أجرى لأختبأ في زاوية غرفتي، أحاول أن أغطي جسدي بالقماش، وفي تلك اللحظات كنت أسمعه يزيل البنطال من شماعة الملابس ويخلع منه الحزام.

كنت أسمع صرير المعدن الموجود بالحزام وصدى خطوات أبي تقترب من الغرفة حتى يصل ويقوم بتعليمي الأدب من وجهة نظره.

كنت أبدأ في البكاء قبل حتى أن يصل، وأقول في داخلي: "معلش يا عمر كله هيعدي، ما أنت أضربت قبل كدة وعدت عادي".

كانت الضربات تأتي بلا توقف حتى يفرغ غضبه، ثم يعود لغرفته ويعيد وضع الحزام في مكانه ويستكمل مشاهدة أفلام الأبيض والأسود المفضلة لديه.

وأظل أبكي حتى تجف دموعي، ثم أعود لما كنت أفعله قبل ضربي.

وأعادني إلى الحاضر ارتفاع صوت بكاء الطفل، وأنا أكز على أسناني وأصابع يداي قد انتقلت إلى وضع اللكمات،

وأفكر: ماذا أفعل؟ هل أذهب إليها وأوقفها عن ضرب الطفل؟

ولكن يمكنها أن تتهرب بأى عذر كأن تقول إني أتحرش بها.

وأثناء تفكيري في الفعل الصحيح، كانت فتاة شابة قد لاحظت ما يحدث، فتقدمت وأمسكت يد الأم وحاولت تهدئتها وهي تقول: "خلاص حصل خير، حرام تضربيه"

وبعد أن إطمئننتُ أن الأم توقفت عن ضرب الطفل، أدرتُ وجهي بعيدًا وأعدت تغطية رأسي بالقبعة، وتحركت في طريقي،

وفي الخلفية أسمع صوت الأم يبتعد شيئًا فشيئًا حتى اختفي تمامًا.

وكل ما كان يملأ صدري هو ذلك الإحساس العميق بالعجز.. لأنني لم أفعل شيئًا للطفل.

ياتُرى هل سيكبر ذلك الطفل ليصبح مكسوراً مثلي أو كاسراً مثل أبي؟

وحتى اليوم، كلما سمعت طفلًا يبكي، تذكرت صوت صرير الحزام.